151

المولدون أو شعراء عصر العباسيين

قامت الدولة العباسية سنة 132 للهجرة (750م) والسلطنة الإسلامية موطدة الدعائم مشيدة الأركان، وغزاة العرب ضاربون في المشارق والمغارب يقوضون ما تداعى من مباني الفرس والرومان، فينبذون الأنقاض البالية، ويشيدون على أساس الحزم دولة قيض الله لها أن تكون دولة العزة والسلطان في ذلك الزمان، فامتلأت خزائن الخلفاء بكسب المجاهدين وجباية الأموال، وتسرب ما فاض منها إلى بيوت المقربين وصنائعهم من أمير وفقير، وعميد وشريد، فذاقوا حلو حضارة الدولتين الهاويتين، وتبدلوا مرقعة عمر ذلك الدثار الرث الذي ضم بين ردينه عماد الإسلام والمسلمين ببزة الخز والديباج، وعلالته من لبن وتمر، وأيسر الإدام بشهي طعام لماظته الفالوذج والسكباج، وذلك الرحل على بعير قارح يمتطيه الخادم والمخدوم، وهما سواء في شرع الإسلام بالسروج الموشاة على الجياد المطهمة تحف بها مواكب الحشم والغلمان، فعلت القصور ووشيت الخدور، وزها الرياش، وانبسط المعاش، والشعراء من أفراد تلك الأمة يرقون رقيها في معارج العمران.

زعموا أن شاعرا بدويا من رعاة الماشية ممن دب وشب بين الكباش والنعاج قدم حاضرة عامرة، فأكرمه صاحبها فمدحه بهذين البيتين:

أنت كالدلو لا عدمناك دلوا

من كثير العطا قليل الذنوب

أنت كالكلب في الحفاظ على الو

د وكالتيس في قراع الحروب

فهم بعض أعوان الأمير بقتله، فقال الأمير: «خل عنه فذلك ما وصل إليه علمه ومشهوده، ولقد توسمت فيه الذكاء فليقم بيننا زمنا، وقد لا نعدم منه شاعرا مجيدا». فما أقام بعض سنين في سعة عيش، وبسطة حال حتى قال الشعر الرقيق الآخذ بمجامع القلوب، وهو في زعم بعضهم صاحب الأبيات التالية:

يا من حوى ورد الرياض بخده

وحكى قضيب الخيزران بقده

Page inconnue