Dieu démissionne au sommet du conseil
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
Genres
كلمتان مفزعتان، كانتا تجريان على ألسنة الناس في السنين الأخيرة، هناك قوى مجهولة تتحدث بلسان الله وتمسك في يدها الرشاشات والقنابل، تطارد أي إنسان يكتب شيئا يختلف عما يقولون، تحكم عليه بالكفر أو الردة عن الإسلام، تضع اسمه في قائمة الموتى، وتنفذ الحكم بالرصاص ثم تهرب.
في ديسمبر 1988 أصدرت الحكومة أمرا بوضع حراسة مسلحة حول بيت المؤلفة. لم تعرف المؤلفة السبب. إن أوامر الحكومة مثل أوامر الله تنفذ دون سؤال عن الأسباب. عاشت المؤلفة تحت الحراسة عامين من ديسمبر 1988 إلى ديسمبر 1990، ثم اختفت الحراسة المسلحة فجأة كما جاءت دون إبداء الأسباب.
لكن الناس في مصر كغيرها من بلاد العالم تتسلى بالحكايات، أبطالها شخصيات حقيقية يعرفها الجميع على رأسهم طبعا رئيس الدولة؛ فهو قمة الهرم الأكبر فوق الأرض، لا يعلوه إلا الله الجالس على عرش السماء، وكان الناس يخلطون دائما بين شخصية الجالس على عرش الأرض والجالس على العرش السماوي؛ هذه عادة الناس في كل مكان وزمان، لأسباب متعددة، منها أن رؤساء الدول منذ نشوء الدولة في التاريخ يتخفون وراء اسم الله، يصدرون الأوامر باسم الله، يبدءون أي خطاب للناس باسم الله، كيف يمكن إذن للناس أن تفصل بين لسان رئيس الدولة ولسان الله سبحانه وتعالى؟! وكان رئيس الدولة يطلق على نفسه ألقابا مقدسة مثل «البابا» في الغرب و«الإمام» في الشرق، ويقبض بين يديه على السلطات جميعا السياسية والدينية وأهمها طبعا الخزانة العامة أو أموال الدولة، التي دخلت في التاريخ تحت اسم أموال الكنيسة أو الجامع، في التاريخ الحديث يسمونها «بنك الله» على غرار «حزب الله» الذي أصبحت له قوة سياسية وعسكرية لا ينافسه في قوته إلا حزب الشيطان.
دارت بين الناس حكاية تقول إن الحراسة المسلحة وضعت حول بيت المؤلفة؛ لأنها أصدرت رواية تحت عنوان «سقوط الإمام» أجزاء من هذه الرواية كتبتها داخل سجن النساء عام 1981 بالقاهرة، قبل اغتيال رئيس الدولة في مصر «أنور السادات» بشهر واحد.
كان السادات يخلط كثيرا بين الحاكم الأرضي رئيس الجمهورية الذي يستمد قوته من القانون المدني وتشريعات الدولة، وبين الحاكم الديني «الإمام» الذي يستمد قوته من القانون الإلهي وكتاب الله. وقد غير الدستور المصري، وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لهذا الدستور. حمل السادات لقب «الرئيس المؤمن»، وأصدر قرارا بأن المرتد عن الإسلام عقابه الإعدام، ونصب نفسه رئيسا مدى الحياة كالآلهة الخالدين.
لم تشعر المؤلفة بالأمان تحت هذه الحراسة المسلحة، أيمكن أن تحمي الحكومة حياتها؟ كانت الثقة مفقودة بين الناس والحكومة. منذ نشوء الحكومات في التاريخ لم ير الناس منها أي خير؛ اغتيالات حدثت للمحروسين بيد حراسهم، والأستاذ الكاتب الإسلامي الذي تم اغتياله كانت الحكومة تحرسه. طلبت من الحكومة عدم حماية حياتها؛ فهي حياتها تملكها وتحميها بنفسها. رفضت الحكومة الطلب. قالت للمؤلفة: إن حياتك ليست ملكا لك ولكنها ملك الحكومة.
لأول مرة تشعر المؤلفة أن حياتها مهددة وليست ملكها. الرصاصة سوف تنطلق حتما. من هي اليد التي سوف تضرب؟ أعداؤها كثيرون منذ أمسكت بالقلم وكتبت، داخل الحكومة وخارجها، على رأسهم بالطبع المتكلمون باسم الله، الضاربون بالرصاص باسم الله أيضا.
في الليل تحلم المؤلفة أنها تحولت إلى كائن يشبه الطائر له جناحان، وأنها تطير وتطير، تجتاز حدود الوطن وتنجو بحياتها. لكنها تصحو من النوم، وترى الحراس أمام الباب والبودي جارد يشبه الجلادين. وبدأت المسرحية تنمو في أحشائها كالجنين.
في يوم، وهي جالسة تكتب في بيتها دق جرس الباب، كانت فتاة شابة بيضاء البشرة، شعرها ناعم أصفر، طويلة القامة اسمها إليزابيث، أمريكية الجنسية، جاءت في زيارة قصيرة إلى مصر، أرادت أن تتعرف على المؤلفة، فقد قرأت لها بعض الروايات والكتب حين كانت طالبة بإحدى الجامعات. دهشت إليزابيث حين رأت الحراس والبودي جارد، سألت المؤلفة عن سبب وجودهم، لم تعرف المؤلفة الإجابة. سألتها إليزابيث لماذا لا تنقذ نفسها وتترك هذا المكان؟ لم تعرف المؤلفة مكانا آخر غير بيتها والوطن الذي ولدت فيه، قالت المؤلفة لنفسها: «وأين يمكن أن أذهب؟! لا أعرف مكانا آخر.» قالت إليزابيث: يمكن أن تذهبي إلى جامعة ديوك، هناك أستاذة تدرس اللغة العربية اسمها ميريام كوك، وهي تدرس رواياتك وكتبك، وسوف ترحب كثيرا بك. - وماذا أفعل في جامعة ديوك؟ - تدرسين رواياتك وكتبك للطلبة والطالبات، إنهم يحبون كتاباتك، وكنت واحدة منهم، وقررت أن أزورك في أول زيارة لي لمصر.
خرجت إليزابيث من بيت المؤلفة، وأدارت رقم التليفون ليرن في مكتب الدكتورة ميريام كوك في جامعة ديوك، في مدينة ديرهام، بولاية نورث كارولينا، على الشاطئ الشرقي الجنوبي لأمريكا الشمالية.
Page inconnue