اليمين، تاب البارحة، فيعترف بما قال.
واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يُطلق أهل اليسار وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يَفرُّ منهم أحد، وإذا تجمَّع منهم عدة قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه (١).
قال فيما نقله عن اليسع من تاريخه: " وكل ما أذكره من حال المصامدة فقد شاهدته، أو أخذته متواترًا، وكان فى وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمُرابطٍ أو تلمسانى أن يحرقوه " (٢).
قال: " فالذى صحَّ عندى أنهم قُتِل منهم سبعون ألفًا على هذه الصفة، ويُسمُّونه التمييز " (٣).
وقال ابن خلكان: " وقد بلغنى أن ابن تومرت أخفى رجالًا فى قبورٍ دَوارِس، وجاء فى جماعةٍ ليريهم آيةً، فصاح: أيُها الموتى، أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدى المعصُوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة فخسَف فوقهم القبور فماتوا " (٤).
وبهذه الحيل جمع حوله الكثير من أغرار قومه لينقضَّ بهم على إمام المسلمين بالمغرب وحامل راية الجهاد فيها ضد الصليبية المتربصة، يوسف بن تاشفين (٥)، وغرَّه به حبُّه للعفو وميله إلى العلماء، فكان أن عمد إلى حيلة أخرى معه، بأن ذهب قبل الفجر وجلس حيث يجلس يوسف بن تاشفين للصلاة، فلما حضر الأمير، تمسك بحقه المزعوم بالمكان لأنه السابق إليه، ثم بدأ يوجه له اللوم فى تقصيره تجاه حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كل ذلك ليلفت الأنظار إليه، ويكسب ما يمكن كسبه من أنصارٍ منه.
حتى إذا غادر يوسف مراكش إلى إسبانيا ليصد عادية الفونس الأرجونى على
_________
(١) سير ١٩/ ٥٤٥.
(٢) نفسه.
(٣) السابق ١٩/ ٥٤٦.
(٤) وفيات الأعيان ٥/ ٥٤، سير ١٩/ ٥٥١.
(٥) أمير المسلمين، صاحب المغرب، يوسف بن تاشفين اللمتونى البربرى، ويعرف أيضًا بأمير المرابطين، وهو الذى بنى مراكش وصيرها دار ملكه، وكان ذلك سنة (٤٦٥)، ثم عبر إلى الأندلس لينجد الإسلام، فطحن العدو فى معركة الزلاقة، كان حليمًا دينًا خيرًا، يحب أهل العلم والدين. قال ابن خلكان: بلغنى أن الإمام أبا حامد الغزالى لما سمع ما هو عليه من الأوصاف الحميدة عزم على التوجه إليه، فوصل الإسكندرية فوصله خبر وفاته بها، فرجع عن ذلك. مات فى أول سنة خمسمائة، وله بضع وثمانون سنة. الكامل ١٠/ ٤١٧، وفيات الأعيان ٧/ ١١٢، سير ١٩/ ٢٥٢.
1 / 14