3 «وجوز الكوفية التخالف في المدح والذم، ومثلوا بقوله تعالى:
ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالا
فجعلوا «الذي» صفة «لهمزة». وجوز الأخفش وصف النكرة بالمعرفة إذا خصصت قبل ذلك بالوصف، وجعل منه قوله تعالى:
فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان
قال: «الأوليان صفة لآخران؛ لأنه لما وصف تخصص. وجوز قوم عكسه؛ أي: وصف المعرفة بالنكرة مطلقا، ومثل بقوله: «وللمعنى رسول الزور قواد.» قال: «قواد صفة المعنى.» وجوز أبو الحسن بن الطراوة وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف خاصا بالموصوف لا يوصف به غيره؛ كقوله: «في أنيابه السم ناقع.» قال: «ناقع صفة للسم.» وأجيب بالمنع في الجميع بإعرابها أبدالا.» ا.ه.
فهذا يبين ما بين النعت والبدل عندهم من الاضطراب في تحديد المعنى اضطرابا يؤدي إلى الاختلاف في الأحكام. وهذا مثل من الأمثلة، وترى له نظائر متعددة في كتب الأعاريب أنى قرأت، ولو أنهم جعلوا الفاصل المعنى كما بينا من قبل لما اضطربوا ذلك الاضطراب.
أما ما بين عطف البيان والبدل من الفوارق، فإنا نعفيك ونعفي أنفسنا أن نفصل بيانها، ونعلم أن أدنى ذكر لك بما في هذا الباب يقنعك أن هذه الفوارق جميعها ترجع إلى أحكام لفظية، وإلى علل من نظريات العامل لا أثر لها في المعنى. وقد أغنانا الإمام الرضي بحث هذه الأبواب؛ إذ قال في شرح البدل ما نصه: «أقول: وأنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين بدل الكل من الكل وبين عطف البيان، بل لا أرى عطف البيان إلا البدل كما هو ظاهر كلام سيبويه، فإنه لم يذكر عطف البيان، بل قال: أما بدل المعرفة من النكرة، فنحو: مررت برجل عبد الله، كأنه قيل بمن مررت، أو ظن أنه يقال له ذلك فأبدل مكانه من هو أعرف منه، ومثل قوله تعالى:
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله .» ا.ه.
4
وليس بوجيه أن يفرق بين التوكيد والبدل، فإنه أسلوب واحد أن تقول: جاء القوم بعضهم، أو جاء القوم كلهم، والأول عندهم بدل والثاني توكيد. وكل وما يمكن أن يبرر به عد التأكيد تابعا خاصا، وأن يفرد باب لدرسه، هو أنه نوع من البدل جاء بكلمات خاصة، لزم أن تعدد وتحدد، فكان تفصيلا لأنواع البدل، وتفسيرا لجزء منه، لا تمييزا لتابع جديد له أحكام خاصة.
Page inconnue