وفي البديع كثير من أنواع الجناس والموازنة، كلها مماثلة لفظية تعد من جمال القول وحسن تأليفه.
والذي يهمنا دراسته، هو المماثلة في الإعراب، وهو الذي يسميه النحاة إتباعا، ويسمون اللفظ الثاني من المتماثلين تابعا، والأول متبوعا. ويعدون التوابع خمسة: النعت، والتوكيد، والبدل، وعطف البيان، وعطف النسق. ويلحقون بها الإتباع للمجاورة، وهو يختص عندهم بالجر، ويعدونه قليلا أو شاذا.
ونريد أن نعرف سبب هذا الإعراب في التوابع وما يدل عليه من معنى، لنرى أيطرد في هذا الباب الأصل الذي قررناه من قبل في معاني الإعراب.
العطف
أما عطف النسق، فإنك إذا قلت: جاء زيد وعمرو، وجدت أن الاسمين متحدث عنهما، ولو أنك أخرت الحديث أو المسند لقلت: زيد وعمرو جاءا، ومن هنا استحق كل من الاسمين الرفع؛ على الأصل الذي قررنا. ولم يكن الأول أحق بهذا النوع من الإعراب، ولا الثاني محمولا عليه؛ كلا الاسمين متحدث عنه، وكلاهما له إعراب المتحدث عنه وهو الرفع.
وكذلك في الإضافة تقول: هذا أخو زيد وعمرو، ومال زيد وعمرو، فالإضافة إلى كل من الاسمين، كأنك قلت: هذا أخو زيد وأخو عمرو؛ وإنما أوجزوا إذ وجدوا الإيجاز دالا، وأنت تعلم أن الاقتصاد من القوانين الطبيعية في اللغات، وأنه في العربية كثير شائع، وظاهر واضح.
فليس الأمر في العطف إتباعا، وإنما هو كما قال سيبويه: إشراك أو تشريك.
1
وما رأيت في الواو العاطفة تراه في سائر حروف العطف، فمثل: جاء زيد لا عمرو. وما جاء زيد بل عمرو؛ المتحدث عنه اسمان أيضا، أثبت لواحد ما نفيته عن الثاني، وكذلك هو مال زيد لا عمرو، وما هو بمال زيد بل عمرو، لا يفهم الكلام إلا على الإضافة، وإن تكن بسبيل الإثبات في واحد والنفي مع الآخر.
وباب العطف إذن ليس له إعراب خاص، وليس جديرا أن يعد من التوابع، ولا أن يفرد بباب لدرسه. هذا من ناحية الإعراب، أما من جهة معاني الحروف العاطفة أما المشركة ومواضع استعمالها، فهذا مكان الدرس، ولم نزل ندعو إلى دراسة الأدوات منفصلة عما أعده النحاة لها من أثر في الإعراب، وإلى توفير البحث عن معانيها وسبل استعمالها، كما طلبنا من قبل في أدوات النفي وأدوات التوكيد، ونعد هذا أحق الدراسات النحوية أن نوفر عليها العناية، وننعم فيها النظر لنكشف عن أسرار العربية في التعبير، ومزاياها في البيان وحسن التصوير.
Page inconnue