L'Administration islamique au zénith des Arabes

Kurd Ali d. 1372 AH
101

L'Administration islamique au zénith des Arabes

الإدارة الإسلامية في عز العرب

Genres

الناس وكتبوه وتدارسوه، وشاع أمره حتى بلغ المأمون فدعا به وقرئ عليه فقال: ما أبقى أبو الطيب شيئا من أمر الدين والدنيا والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح الملك والرعية وحفظ البيضة وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكمه وأوصى به، وتقدم وأمر أن يكتب بذلك إلى جميع العمال في نواحي الأعمال.

ومما ورد في هذا الكتاب في الإدارة: «ولا تتهمن أحدا من الناس فيما توليه من عملك قبل تكشف أمره بالتهمة؛ فإن إيقاع التهم بالبداء والظنون السيئة بهم مأثم، واجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك، واطرد عنك سوء الظن بهم وارفضه فيهم، يعنك

54

ذلك على اصطناعهم ورياضتهم ... ولا يمنعنك حسن الظن بأصحابك والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك، ولتكن المباشرة لأمور الأولياء، والحياطة للرعية، والنظر فيما يقيمها ويصلحها، والنظر في حوائجهم وحمل مؤناتهم آثر عندك مما سوى ذلك، وأقم حدود الله في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه، ولا تعطل ذلك ولا تهاون به، ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة، فإن في تفريطك في ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك، واعتزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة، وجانب البدع والشبهات؛ يسلم لك دينك، وتستقم لك مروءتك، وإذا عاهدت عهدا فف به، وإذا وعدت الخير فأنجزه، واقبل الحسنة وادفع بها. واغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيتك، واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وأبغض أهله، وأقص أهل النميمة؛ فإن أول فساد أمرك في عاجل الأمور وآجلها

55

تقريب الكذوب والجرأة على الكذب؛ لأن الكذب رأس المآثم، والزور والنميمة خاتمتها؛ لأن النميمة لا يسلم صاحبها وقائلها، ولا يسلم له صاحب ولا يستقيم لمطيعها أمر ... واجتنب سوء الأهواء والجور، واصرف عنها رأيك، وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك، وأنعم بالعدل سياستهم، وقم بالحق فيهم، وبالمعرفة التي تنتهي بك إلى سبيل الهدى، واملك نفسك عند الغضب، وآثر الوفاء والحلم، وإياك والحدة والطيرة والغرور فيما أنت بسبيله ... ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تذخر وتكنز البر والتقوى والمعدلة واستصلاح الرعية، وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم، والحفظ لدمائهم، والإغاثة لملهوفهم. واعلم أن الأموال إذا كثرت وذخرت في الخزائن لا تثمر، وإذا كانت في إصلاح الرعية، وإعطاء حقوقهم وكف المئونة عنهم، نمت وربت، وصلحت به العامة، وتزينت به الولاة، وطاب به الزمان، واعتقد فيه العز والمنعة، فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الإسلام وأهله، ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين قبلك حقوقهم، وأوف رعيتك من ذلك حصصهم، وتعهد ما يصلح أمورهم ومعايشهم، فإنك إذا فعلت ذلك قرت النعمة عليك، واستوجبت المزيد من الله، وكنت بذلك على جباية خراجك، وجمع أموال رعيتك وعملك أقدر، وكان الجميع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسلس لطاعتك وأطيب نفسا لكل ما أردت ...»

وعاد فوضع له قواعد في حكمة الأخلاق لا تصلح بغيرها الولاية، فقال: «ولا تحقرن ذنبا، ولا تمالئن حاسدا، ولا ترحمن فاجرا، ولا تصلن كفورا، ولا تداهنن عدوا، ولا تصدقن نماما، ولا تأتمنن غدارا، ولا توالين فاسقا، ولا تبتغين عاديا، ولا تحمدن مرائيا، ولا تحقرن إنسانا، ولا تردن سائلا فقيرا، ولا تجبين باطلا، ولا تلاحظن مضحكا، ولا تخلفن وعدا، ولا ترهقن هجرا، ولا تظهرن غضبا، ولا تأتين بذخا، ولا تمشين مرحا، ولا تركبن سفها، ولا تفرطن في طلب الآخرة، ولا تدفع الأيام عتابا، ولا تغمض عن الظالم رهبة منه أو مخافة، ولا تطلبن ثواب الآخرة في الدنيا.»

قال : «وأكثر مشاورة الفقهاء، واستعمل نفسك بالحلم، وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة، ولا تدخلن في مشورتك أهل الذمة والنحل، ولا تسمعن لهم قولا؛ فإن ضررهم أكثر من منفعتهم، وليس شيء أسرع فسادا لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح. واعلم أنك إذا كنت حريصا كنت كثير الأخذ قليل العطية، وإذا كنت كذلك لم يستقم لك أمرك إلا قليلا؛ فإن رعيتك إنما تعقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عنهم ... وتفقد أمور الجند في دواوينهم ومكاتبهم، وأدرر عليهم أرزاقهم، ووسع عليهم في معايشهم، يذهب الله بذلك فاقتهم، فيقوى بك أمرهم، وتزيد به قلوبهم في طاعتك وأمرك خلوصا وانشراحا ...»

ثم ذكر له القضاء وإقامة العدل فيه «لتصلح الرعية، وتأمن السبل، وينتصف المظلوم، ويأخذ الناس حقوقهم، وتحسن المعيشة، ويؤدى حق الطاعة.» إلى أن قال - بعد أن عرفه ما يفعل لحقن الدماء وإعطاء الحقوق: «وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية، وجعله الله للإسلام عزا ورفعة، ولأهله سعة ومنعة، ولعدوه وعدوهم كبتا وغيظا، ولأهل الكفر من معاهديهم ذلا وصغارا، فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم فيه، ولا ترفعن منه شيئا عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه، ولا عن كاتب لك ولا عن أحد من خاصتك وحاشيتك، ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له، ولا تكلفن أمرا فيه شطط، واحمل الناس كلهم على مر الحق؛ فإن ذلك أجمع لألفتهم، وألزم لرضا العامة. واعلم أنك جعلت بولايتك خازنا وحافظا وراعيا، وإنما سمي أهل عملك رعيتك؛ لأنك راعيهم وقيمهم، تأخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ومقدرتهم، وتنفقه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم. فاستعمل عليهم في كور عملك ذوي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل والعلم بالسياسة والعفاف، ووسع عليهم في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت وأسند إليك، ولا يشغلنك عنه شاغل، ولا يصرفنك عنه صارف، فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك، وحسن الأحدوثة في عملك، وأحرزت به المحبة من رعيتك، وأعنت على الصلاح ، فدرت الخيرات ببلدك، وفشت العمارة بناحيتك، وظهر الخصب في كورك، فكثر خراجك، وتوفرت أموالك، وقويت بذلك على ارتباط جندك، وإرضاء العامة بإفاضة العطاء فيهم من نفسك، وكنت محمود السياسة، مرضي العدل في ذلك عند عدوك، وكنت في أمورك كلها ذا عدل وقوة وآلة وعدة، فنافس في هذا ولا تقدم عليه شيئا تحمد، مغبة أمرك إن شاء الله.

واجعل في كل كورة من عملك أمينا يخبرك أخبار عمالك، ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم، حتى كأنك مع كل عامل في عمله، معاين لأمره كله، وإن أردت أن تأمره بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك، فإن رأيت السلامة فيه والعافية، ورجوت فيه حسن الدفاع والنصح والصنع، فأمضه وإلا فتوقف عنه، وراجع أهل البصر والعلم به ثم خذ فيه عدته ...

Page inconnue