الْعباد بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن بالإرادة وَالْقُدْرَة وَقَالُوا فِي حَدِيث إِن الله خلق آدم على صورته إِن الضَّمِير رَاجع إِلَى آدم ﵇ لَا إِلَى ذَات الله تَعَالَى أَي إِن الله تَعَالَى خلق آدم ﵇ مُنْذُ اللحظة الأولى الَّتِي أوجده فِيهَا على صورته وهيئته الَّتِي كَانَ يتمتع بهَا فِيمَا بعد فَلم يتطور من شكل إِلَى آخر ثمَّ قَالَ إِن مَذْهَب السّلف كَانَ هُوَ الْأَفْضَل فِي زمنهم فَيَقُول حفظه الله تَعَالَى اعْلَم أَن مَذْهَب السّلف فِي عصرهم كَانَ هُوَ الْأَفْضَل والأسلم والأوفق للْإيمَان الفطري المرتكز فِي كل من الْعقل وَالْقلب وَمذهب الْخلف فِي عصرهم أصح وَهُوَ الْمصير الَّذِي لَا يُمكن التَّحَوُّل عَنهُ بِسَبَب مَا قَامَ من الْمذَاهب الفكرية والمناقشات العلمية وبسبب ظُهُور عُلُوم البلاغة الْعَرَبيَّة مقعدة فِي قَوَاعِد من الْمجَاز والتشبيه والاستعارة
وَهَكَذَا كَانَ بوسع الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى أَن يَقُول فِي عصره لذَلِك الَّذِي سَأَلَهُ عَن معنى الإستواء فِي الْآيَة الكيف غير مَعْقُول والإستواء غير مَجْهُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة إِذْ كَانَ الْعَصْر عصر إِيمَان ويقين راسخين بِسَبَب قرب الْعَهْد بعصر النُّبُوَّة وامتداد الْإِشْرَاق إِلَيْهِ وَلَكِن لم يكن للأئمة الَّذين كَانُوا فِي عصر التدوين وازدهار الْعُلُوم واتساع حلقات الْبَحْث وفنون البلاغة أَن يسلمُوا ذَلِك التَّسْلِيم دون أَن يحللوا هَذِه النُّصُوص على ضوء مَا انْتَهوا إِلَيْهِ من فنون البلاغة وَالْمجَاز خُصُوصا أَن فهم الزَّنَادِقَة الَّذين لَا يقنعهم مَنْهَج التَّسْلِيم ويتظاهرون بِالْحَاجةِ إِلَى الْفَهم التفصيلي وَإِن كَانُوا فِي حَقِيقَة الْأَمر لَيْسُوا كَذَلِك
والمهم أَن تعلم أَن كلا المذهبين متجهان فِي غَايَة وَاحِدَة لِأَن المَال فيهمَا إِلَى أَن الله ﷿ لَا يُشبههُ شَيْء من مخلوقاته وَأَنه منزه عَن جَمِيع صِفَات النَّقْص فَالْخِلَاف الَّذِي نرَاهُ بَينهمَا خلاف لَفْظِي وشكلي فَقَط
قَالَ الشَّيْخ الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ من أنكر أَن الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى فقد أنكر آيَة من الذّكر الْحَكِيم فيكفر لَكِن الاسْتوَاء الثَّابِت لَهُ سُبْحَانَهُ اسْتِوَاء يَلِيق بجلاله على مُرَاد الله وعَلى مُرَاد رَسُوله ﷺ من غير خوض فِي الْمَعْنى كَمَا هُوَ مَسْلَك السّلف مِنْهُم ابْن مهْدي ومسلك الْخلف الْحمل على الْملك وَنَحْوه
1 / 56