الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: ٥٥]؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَا يَأْتِيهِمْ ذِكْرٌ إِلَّا كَانَ مُحْدَثًا، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٌ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرًا غَيْرَ مُحْدَثٍ ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ ذِكْرَ الْقُرْآنِ لَهُمْ وَتِلَاوتَهُ عَلَيْهِمْ وَعِلْمَهُمْ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَتْلُوُّ الْمَعْلُومُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَعِلْمَهُ بِهِ وَعِبَادَتَهُ لَهُ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَعْلُومُ الْمَعْبُودُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَحِينَ احْتُجَّ بِهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ﵀ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ﵁: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلُهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ مُحْدَثٌ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: وَهَذَا الَّذِي أَجَابَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ﵀ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ، وَإِتْيَانُهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَالتَّنْزيلُ مُحْدَثٌ، وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ ﵀ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ عِيسَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ صَارَ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَا صَارَ آدَمُ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩] . وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ»، وَالْقُرْآنُ فِيمَا كُتِبَ فِي الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ ﷿: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج: ٢٢] . وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى قِدَمِ الْقُرْآنِ وَوُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ ⦗٩٩⦘ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ﵉، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فَيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ اللَّهُ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وُجِدَتِ التَّوْرَاةُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ آدَمُ: وَجَدْتَ فِيهَا ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١]؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَعْمَلُهُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا التَّارِيخُ يَرْجِعُ إِلَى إِظْهَارِهِ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْآيَةِ دِلَالَةٌ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخَطِيئَةِ مِنْ آدَمَ ﵇ ⦗١٠٠⦘. وَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مَوْجُودٌ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَبإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ مَتَى شَاءَ، صَارَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا لَهُ بِلَا كَيْفٍ، وَالْمَسْمُوعُ كَلَامُهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ، وَكَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا لَا يُشْبِهُ سَائِرُ أَوْصَافِهِ أَوْصَافَ الْمَخْلُوقِينَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ ⦗٩٩⦘ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ﵉، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فَيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ اللَّهُ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وُجِدَتِ التَّوْرَاةُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ آدَمُ: وَجَدْتَ فِيهَا ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١]؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَعْمَلُهُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا التَّارِيخُ يَرْجِعُ إِلَى إِظْهَارِهِ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْآيَةِ دِلَالَةٌ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخَطِيئَةِ مِنْ آدَمَ ﵇ ⦗١٠٠⦘. وَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مَوْجُودٌ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَبإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ مَتَى شَاءَ، صَارَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا لَهُ بِلَا كَيْفٍ، وَالْمَسْمُوعُ كَلَامُهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ، وَكَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا لَا يُشْبِهُ سَائِرُ أَوْصَافِهِ أَوْصَافَ الْمَخْلُوقِينَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
1 / 98