وفي سنة 655، يذكر ابن كثير في تاريخه أنه كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة، فنهب الكرخ ودور الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمي؛ وكان ذلك أقوى الأسباب التي دعته إلى ممالأة التتار على آخر الخلفاء العباسيين بها.
15 (ج)
أما المسيحيون؛ فإنهم بعد دخول التتار بغداد، أظهروا عداءهم للإسلام والمسلمين، وفي هذا يقول المقريزي في حوادث سنة 658: «واستطال النصارى بدمشق على المسلمين، وأحضروا فرمانا من هولاكو بالاعتناء بأمرهم وإقامة دينهم، فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان، ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات، وصبوه على أبواب المساجد، وألزموا أرباب الحوانيت بالقيام إذا مروا بالصليب عليهم، وأهانوا من امتنع عن القيام للصليب.
وصاروا يمرون به في الشوارع إلى كنيسة مريم، ويقفون به ويخطبون في الثناء على دينهم، وقالوا جهرا: ظهر الدين الصحيح دين المسيح. فقلق المسلمون من ذلك، وشكوا أمرهم لنائب هولاكو وهو كتبغا، فأهانهم وضرب بعضهم، وعظم قدر قسوس النصارى، ونزل إلى كنائسهم وأقام شعارهم ...» إلى آخر ما قال ذلك المؤرخ الأمين.
16 (د)
وأخيرا، نشير بعد هذا وذاك، إلى ما كان يسود هذا المجتمع أحيانا كثيرة من قلق واضطراب بسبب اختلاف بعض الفرق الإسلامية في بعض مسائل علم الكلام، مثل مسألة كلام الله تعالى وقدمه وأزليته، وهل القرآن القديم الأزلي ينقلب مدادا وحروفا وأصواتا، كما نراه في المصحف ونقرؤه ونسمعه، فيكون كل ذلك قديما أزليا أيضا؟
نسب القول بذلك إلى فريق من الحنابلة؛ لأنه في رأيهم كلام الله تعالى، وقال الأشاعرة ليس شيء من ذلك قديما، والقديم الأزلي هو كلام الله النفسي، وما نكتبه بالمداد ونقرؤه باللسان ونسمعه بالآذان دليل عليه، وهذا كله محدث لأنه من أفعال العباد لا من أفعال الله تعالى.
وكان هذا الاختلاف في هذه المسألة مثار فتنة كبيرة أيام الخليفة المأمون، كما كان مثار فتن كثيرة أخرى في أزمنة مختلفة.
ومن ذلك ما كان بين العز بن عبد السلام شيخ الإسلام وسلطان العلماء وإمام عصره (توفي سنة 660)، وبين هذا الفريق من الحنابلة بسبب تلك المسألة الكلامية الشائكة، وكان هذا في دمشق في عهد الملك الأشرف ابن الملك العادل الأيوبي، وكان هذا الملك يعرف للعز منزلته وأنه سيد أهل عصره وحجة الله على خلقه.
ولكنه مع هذا سمع للحنابلة وصدق ما أوهموه به من أن الشيخ زائغ العقيدة، منحرف عما صح من العقائد الدينية الصحيحة التي يسندها في رأيهم القرآن والحديث، وأن الذي هم عليه هو اعتقاد السلف والإمام أحمد بن حنبل وفضلاء أصحابه رضي الله عنه.
Page inconnue