وقد كانت هذا الأصول التي اعتمد عليها الإمام ابن حنبل في فقهه وفتاويه، على ما يذكره أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم (توفي سنة 751ه)،
1
خمسة أصول وهي: النص من الكتاب والحديث، فمتى ظفر بنص في المسألة أفتى بموجبه دون التفات إلى ما خالفه، ولا إلى من خالفه ولو كان من كبار الصحابة؛ ولهذا لم يلتفت إلى قول معاذ ومعاوية من الصحابة بتوريث المسلم من الكافر، عندما صح عنده الحديث المانع من التوارث بينهما بسبب اختلاف الدين.
وعند عدم النص يلجأ إلى فتوى الصحابي، فإذا وجد لبعض الصحابة فتوى لا يعرف لها منهم مخالفا لم يتجاوزها إلى رأي آخر، دون أن يدعي أن ذلك إجماع بل يقول تورعا ما يفيد أنه لا يعلم شيئا يعارض هذه الفتوى.
وإذا تعددت الآراء من الصحابة في المسألة الواحدة، يلجأ إلى اختيار أقربها إلى كتاب الله وسنة رسوله، بمعنى أنه لا يخرج عن رأي من هذا الآراء؛ ولهذا كان يتوقف أحيانا عن الفتوى إذا لم يجد مرجعا لأحد تلك الآراء.
وبعد ذلك، كان يرجع إلى الحديث المرسل أو الضعيف مرجحا له على القياس، ما دام ليس هناك أثر آخر يدفعه، ولا قول صاحب ولا إجماع على خلافه.
وأخيرا، إن لم يجد شيئا من الأصول الأربعة المتقدمة، لجأ إلى القياس فاستعمله للضرورة.
ومن ذلك نرى أن ابن حنبل رضي الله عنه كان رجل نص وأثر أكثر منه رجل فقه وقياس، وهكذا كان الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإن كان له في بعضها نظر خاص أو زيادة في البيان والتفصيل؛ إذ يذكر أن طرق الأحكام الشرعية التي نتكلم عنها في أصول الفقه، هي بإجماع المسلمين الكتاب، والسنة على اختلاف أنواعها، والإجماع، والقياس، والاستصحاب، ثم المصالح المرسلة.
وسنتكلم عن كل من هذه الأصول بإجمال؛ لنتبين ما يريده شيخ الإسلام بكل منها، ولنعرف المعين الضخم الذي استقى منه تراثه الفقهي الجليل.
2
Page inconnue