7 «الحركة تقال على تبدل حال قارة في الجسم يسيرا يسيرا على سبيل اتجاه نحو شيء، والوصول بها إليه هو بالقوة، لا بالفعل على وجه متصل، لا دفعة واحدة.» ويسوقنا هذا التعريف إلى مفهوم مماثل لمبدأ القوة الحية الحديث، ولكن مع كونه أكثر لاهوتية وأقل رياضية في الوقت نفسه، وهو يأتي بنا إلى وجهة نظر حركية، حيث رأينا وضع ابن سينا في تحليل مبدأ القوة عن تفضيل.
وقد عرف ابن سينا المكان كما عرفه الكندي. قال مؤلفنا:
8 «يقال مكان لشيء يكون فيه الجسم، فيكون محيطا به.» وقال في مكان آخر:
9 «المكان هو نهاية الحاوي المماسة لنهاية المحوي، وهذا هو المكان الحقيقي. وأما المكان غير الحقيقي، فهو الجسم المحيط.»
ويستخلص فيلسوفنا نتائج مفيدة من مبدأ المكان الطبيعي، الذي يجب أن يماز من السابق، فيقول: «لكل جسم مكان طبيعي واحد.» وهذا هو المكان الذي يميل إليه في حركته الطبيعية، وإن شئت فقل: إن كل جسم يترك لنفسه يميل إلى مكان يكون واحدا دائما، وكذلك يكون للجسم شكل وموضع طبيعيان، «فالجسم، إذا خلي وطباعه
10
لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين»، ويجب أن يكون الشكل الذي يقتضيه البسيط مستديرا.
ومما تجب ملاحظته في هذه النظرية مبدأ الميل، الذي لم ينتفع به في الطبيعيات الحديثة مع كونه فلسفيا بسيطا، فالجسم الذي يزاح عن مكانه أو يقصى عن شكله يميل إلى العودة إليه بواسطة الحركة. قال ابن سينا: «الجسم له في حال تحركه ميل يتحرك به، ويحس به الممانع.» وكلما كان ميل الجسم نحو مكانه الطبيعي قويا ضعف الميل الآخر، الذي يمكن أن يعطاه قسرا، ويعم مبدأ الميل هذا في هذه الفلسفة كما يعم مبدأ الحركة، ويطبقه ابن سينا بصراحة على الحركة الحيوية، التي تذهب بالموجودات جاعلة إياها تنتقل من صورة إلى أخرى بين كونها وفسادها:
11 «فكل كائن فاسد فيه ميل إلى الحركة المستقيمة»، تنقله في كل آن من صورته الحاضرة إلى الصورة التالية، وقد شعر بجميع هذا شعورا عميقا، وأوضح إيضاحا موفقا، وهذه النظرية دائمة الملاءمة لمبدأ القوة الحركي، الذي أثنينا عليه فيما تقدم.
غير أن فكرة المكان الطبيعي، في حال خاصة، خانت ابن سينا، وحملته على طرح رأي طبيعي، عرض في زمانه واعترف - بعد حين - بأنه صحيح، والأمر هو مذهب الضغط الجوي والمائي، الذي أبصره فلاسفة في زمن ابن سينا، فقال لنا ابن سينا نفسه:
Page inconnue