غير أن أطرف نقطة يشار إليها في موضوع هذا المذهب هو الوجه الذي وضع به إخوان الصفا معضلة الفلسفة الكلامية. أجل، إنهم وضعوها على شكل قاطع جدا، ولكن مع تحديد وجيز خطير حرفت به المسألة. ولا يوجد عند الفلاسفة - ولم يحدث قط - أن جهر الفلاسفة بأية حملة مباشرة على الدين الإسلامي. وقد كان وضع المعضلة الفلسفية الكلامية يحتمل لديهم قبولا تاما للعلم والشريعة. وقد كان إخوان الصفا أكثر جرأة من هذه الناحية بمراحل، ومن المحتمل أن كانوا أكثر حرية فقط.
وقد رأوا - كما أخبرنا به الصوفي أبو حيان التوحيدي،
22
المتوفى سنة 380 أو سنة 400، والذي كان موسوعيا أيضا - أن الشريعة الدينية لم تكن كاملة، وأنها كانت تشتمل على أغاليط تحتاج إلى تنقيتها منها، وأنها لا يمكن أن تبلغ ذلك إلا بالفلسفة. وقد كانوا يعتقدون أنه يوصل إلى الكمال المذهبي الحقيقي بربط الشريعة العربية بالفلسفة اليونانية ربطا وثيقا، فللحصول على هذه الغاية كتبوا موسوعتهم.
وتشتمل تصانيف إخوان الصفا على إحدى وخمسين رسالة في مجموع علوم الإنسان، وقد جمعت العلوم فيها على شكل يختلف بعض الاختلاف عما تعود الفلاسفة صنعه، وذلك على أربعة أصناف تحتوي على علوم الرياضيات والفلسفة العامة، وعلوم الطبيعة والأجسام، والنفس والعقل، والشريعة والله. ويرجح أن تكون هذه الرسائل قد كتبت من قبل كثير من أعضاء الجمعية، يذكر من بينهم أبو سليمان المقدسي، وكان الرياضي الأندلسي المجريطي مسلمة - المتوفى سنة 395 أو سنة 398 - قد ساح في المشرق، فجلب إلى وطنه مجموعة الرسائل، وقام بتجديد إنشائها على ما يحتمل واضعا اسمه عليها؛ فلهذا عزيت هذه المجموعة إليه في بعض الأحيان.
وكانت الرسائل موجهة إلى الإخوان، وكانت تعد جامعة للعلم التركيبي التام، فلا بد من أن تزود القارئ بزبدة ممزوجة من جميع الكتب الأخرى. وقد قيل فيها:
23 «وبالجملة، ينبغي لإخواننا أن لا يعادوا علما من العلوم أو يهجروا كتابا من الكتب، ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب؛ لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها.»
ويكفي أن نضيف إلى البيان السابق ثلاثة شواهد أو أربعة لفهم طابع هذه الموسوعة التي هي أقل إمتاعا بكونها مستودعا للعلم من إمتاعها بما تقدم من مناح فلسفية واجتماعية.
ففي إحدى الرسائل يوجد مثل طويل،
24
Page inconnue