وهو يذهب إلى أن لله جسما ووجها مماثلا لما في المخلوقات، وهو يوضح الصفات الإلهية على الكيفية البشرية . وفي الشهرستاني تفصيلات مطولة عن هذه الفرقة. ويلاحظ الشهرستاني وجود المسائل عنها في اليهودية، حيث يرى أنها حلت حلا تشبيهيا من قبل القرائين.
12
وعلى العموم، تطلق كلمة «الجبرية» - المشتقة من كلمة «الجبر» - على علماء الكلام المعارضين لمذهب حرية الإرادة، ويجب أن يذكر من بينهم جهم بن صفوان، الذي كان يدرس في ترمذ من بلاد ما وراء النهر، والذي قتل في أواخر العهد الأموي. ومن رأي جهم أنه لا سلطان للإنسان على أفعاله، وأنه لا يمكن ألا يوصف بالخضوع لله؛ فالإنسان مكره بالحقيقة، وأنه لا قدرة له ولا إرادة ولا حرية، والله يخلق جميع أفعاله كما يخلقها في الموجودات الأخرى، كما يخلقها في الشجر الذي ينبت، والماء الذي يجري، والحجر الذي يسقط. وأعمال الإنسان الصالحة أو السيئة موجبة، والثواب أو العقاب نتيجة لهذه الأعمال الواجبة.
وترى كيف تبعدنا هذه النظريات الجافية من تحليل مفكري المعتزلة اللطيف ومن الفلسفة الحقيقية.
الفصل الثالث
المترجمون
بدء حركة النقل في عصر المنصور - سير العنعنات الفلسفية الحقيقي - انتشار المذهب اليوناني عند الآراميين - دراسة الآداب اليونانية عند السريان - دور الطبيب سرجيس الرأس عيني - مملكة الحيرة النصرانية - تجاوز العرب حدود صحرائهم قبل الهجرة - حنين بن إسحاق وتلميذاه - جماعة من النقلة - دور الصابئة في حركة الترجمة - ظهور أدب فلسفي قبل ابن سينا. ***
لقد وضعنا في الفصلين الأولين قضية المعضلة السكلاسية؛ أي اللاهوتية المحمدية وتحولاتها المباشرة، والآن نضع ما يقابل ذلك، وهو ما يقوم على إدخال الفلسفة اليونانية إلى الإسلام، وهنا نضطر إلى توسيع نطاقنا كثيرا. ولا يجوز تمثل الفلسفة الإسلامية، حصرا، سواء أمثل نتيجة لبعث مفاجئ ظهر بعد اكتشاف الكتب القديمة أم مثل مواصلة مباشرة للفلسفة اليونانية، وذلك أن أصلها على شيء من التعقيد.
وقد بدأت حركة الترجمة إلى العربية في عهد المنصور (136-158)، وكانت موسوعية، فترجمت المؤلفات العلمية والأدبية والفلسفية والدينية الخاصة بخمسة آداب، وهي: الأدب اليوناني، والأدب العبري، والأدب السرياني، والأدب الفارسي، والأدب الهندي، ولم تدرك المؤلفات الفلسفية أول وهلة، ولم تحز العربية ترجمات لأرسطو كاملة بما فيه الكفاية إلا في زمن الفارابي، في أوائل القرن الرابع من الهجرة.
ولكنك إذا نظرت إلى الأمر من ناحية أخرى وجدت تقاليد التعليم الفلسفي اليوناني قد دامت في العالم الشرقي حتى الوقت نفسه، وبينما كانت المؤلفات العظيمة للدور الكلاسي
Page inconnue