الفصل الثالث
جوانب ابن رشد
(1) آثار ابن رشد
لا ندري ماذا أحرق من تلك الشروح عند نكبة الفيلسوف، وماذا أعان الزمن على ضياعه بعد موته، ولكن البقية الباقية منها تدل على شروح متعددة لا على شرح واحد لكل كتاب تناوله من كتب الفلسفة أو الطب بالتفسير والتيسير؛ فقد كان من دأبه على ما يظهر أن يتناول الكتاب بالشرح المطول، ثم بالشرح الوسيط، ثم بالإيجاز الذي لا يقترن بشرح كثير. وقد سرد ابن أبي أصيبعة أسماء هذه الشروح، ومنها تلخيص كتاب ما بعد الطبيعة، وتلخيص كتاب الأخلاق، وتلخيص كتاب البرهان، وتلخيص كتاب السماع الطبيعي، وشرح كتاب السماء والعالم وكتاب النفس، وكلها من فلسفة أرسطو، ومنها في الطب تلخيص كتاب الأسطقسات (أي: العناصر والأصول)، وكتاب المزاج، وكتاب القوى الطبيعية، وكتاب العلل والأعراض، وكتاب التعرف ، وكتاب الحميات، وأول كتاب الأدوية، والنصف الثاني من كتاب حيلة البرء، وكلها لجالينوس.
ولم يكن ابن رشد يعرف اليونانية، ولكنه اعتمد على المترجمات التي نقلت من الشرق إلى الأندلس، وعلى أستاذه أبي جعفر هارون الطبيب المشارك في الحكمة وعلم الكلام.
ومن تآليفه في الطب غير هذه الشروح كتاب الكليات، وقصد أن يجمع فيه الأصول الكلية، وأن يعهد إلى صديقه ابن زهر أن يتممه بكتاب في الأمور الجزئية «لتكون جملة كتابيهما كتابا كاملا في صناعة الطب»، وقد أشار إلى ذلك في ختام كتابه، فوعد باستيفاء الجزئيات في «وقت نكون فيه أشد فراغا لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك، فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء وجب أن ينظر بعد ذلك في الكنايش - أي: الكناشات والتعليقات - وأوفق الكنايش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا مروان بن زهر، وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته، فكان ذلك سبيلا إلى خروجه».
ولابن رشد شرح على أرجوزة لابن سينا في الطب، وتعليقات من قبيل المذكرات توجد منها أوراق متناثرة في بعض المكتبات الأوروبية.
وله من التواليف - عدا الشروح: رد على تهافت الفلاسفة للغزالي سماه «تهافت التهافت»، ورسالة في التوفيق بين الحكمة والشريعة سماها «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»، ورسالة في نقد براهين المتكلمين والمتصوفة سماها «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة»، وكتاب في «الفحص هل يمكن العقل الذي فينا - وهو المسمى بالهيولاني - أن يعقل الصور المفارقة أو لا يمكن ذلك، وهو المطلوب الذي كان أرسطوطاليس وعدنا بالفحص عنه في كتاب النفس»، ومقالة في أن ما يعتقده المشاءون وما يعتقده المتكلمون من أهل ملتنا في كنيته وجود العالم متقارب في المعنى، ومقالة في المقابلة بين آراء أرسطو وآراء الفارابي، وغير ذلك تعليقات وردود على ابن سينا وابن باجة وابن الطفيل في مسائل النفس والعقل والاتصال بالعقل الفعال، وما قيل عن قدم العالم وحدوثه، هي أقرب إلى المقالات القصار منها إلى المطولات.
وهناك قوائم بأسماء مؤلفاته التي لا تزال محفوظة في مكتبة الإسكوريال بأسبانيا لا حاجة إلى إثباتها هنا؛ لأن موضوعاتها الفلسفية جميعا داخلة في هذه الموضوعات التي اشتهر الفيلسوف بشرحها أو الكتابة فيها.
أما كتبه في الفقه، فالمعروف منها كتاب «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، وهو مرجع لم يزل معتمدا بعد نكبة مؤلفه يضرب به المثل في الشعر للإجادة والطموح، كما قال ابن زمرك بعد وفاة ابن رشد بأكثر من مائتي سنة:
Page inconnue