144

Ibn Hanbal : Sa vie et son époque – Ses opinions et sa jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

مخلوق، لا يتجه إلى حملهم على الاعتقاد بعدم الرؤية، وإن كان هذا رأيه الذي يعتنقه لأنه معتزلي ينهج مناهجهم، ولكن الواثق أضاف إلى الإكراه على خلق القرآن الإكراه على نفي الرؤية، واستمر ذلك إلى أن كشفت الغمة، وزالت الكربة بمجيء المتوكل.

أما أحمد الذي كان يأخذ بالنصوص، ولا يجري فيها تأويلاً، فإنه يؤمن بالرؤية إيماناً كاملاً، ولذا جاء في إحدى رسائله في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان بالرؤية يوم القيامة جزء من إيمانها، فقال:

((والإيمان بالرؤية يوم القيامة، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت من الأحاديث الصحاح؛ وإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فإن ذلك مأثور بحديث صحيح، رواه قتادة عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس، ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به على ظاهره، ولا نناظر فيه أحداً))(١)

ونرى من هذا أن أحمد يؤمن برؤية الله يوم القيامة، لأن النصوص جاءت بها وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، ولكنه إذ يؤمن هذا الإيمان لا يحاول معرفة الحال التي تكون عليها الرؤية، وكونها من خواص الأجسام، أو بحال لا تكون فيها جسمية، ولا شبه جسمية، ويرى المناظرة في ذلك، وتحري هذه العقليات بدعة من القول لا يخوض فيها ولا يناظر حولها، ولكنه يؤمن بأنها تكون بطريقة لا تؤدي إلى أن يكون الله مشابهاً للحوادث، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء، أما حقيقة الرؤية وكيف تكون فهذه هي الشقة الحرام التي يتحامى النظر فيها، والولوج إليها، ورأى أحمد في هذا وسط بين الذين نفوا الرؤية نفياً باتاً، لا يأخذون بالحديث الذي أثبتها يوم القيامة، لأنها من أحاديث الآحاد، لا يؤخذ بها في العقائد - وبين الذين أثبتوا الرؤية كرؤيتنا للأشخاص والأشياء مما يجعل الله سبحانه وتعالى في مكان، كالأجسام، وهؤلاء هم الحشوية والمجسمة، وقد أخذ برأي أحمد هذا جماهير المسلمين.

٢٣ - ونرى أحمد في مسلكه قد اعتمد على السنة، ولم يعتمد على القرآن وحده؛

(١) المناقب لابن الجوزي ص ١٧٣

143