La vie du Christ : dans l'histoire et les découvertes de l'époque moderne
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Genres
هذا الرجل قرأ في شبابه قول السيد المسيح إن أناسا يخصيهم الله، وأناسا يخصيهم الناس، وأناسا يخصون أنفسهم في سبيل الله، فحمله على معناه الحرفي وجب نفسه ليقدم بعد ذلك على تعليم النساء وهو آمن، ولكنه أدرك خطأه بعد ذلك، وعدل عن هذا الفهم الحرفي لأقوال السيد المسيح.
إلا أن ثبوت هذه الرواية في سيرة رجل من أعلام زمانه يبطل العجب من روايات كثيرة بقيت بين أخبار الدعوة المسيحية في عصرها الأول، فقد كان الرجل يفقأ عينه إذا علم أنها نظرت إلى امرأة نظرة اشتهاء، وكان يمسخ جسده مسخا إذا راودته الشهوات، حتى ليتساقط منه الدود وهو بقيد الحياة، فإذا كان شاب في ذكاء «أوريجين» وقوة فطنته يفهم العظات المسيحية على هذا الوجه، فلا عجب أن يشيع هذا الفهم بين طائفة من البسطاء الذين لا يبلغون مبلغه في الفطنة والدراية.
لكن «أوريجين» نفسه قد عدل عن خطئه بعد زمن كما أسلفنا، وسبقه وجاء بعده أناس من طبقته أيقنوا أن السيد المسيح قصد المعاني، ولم يقصد الحروف حين أوصى بكف الأعضاء عن نزغات الجسد، فلم يعن بفقء العين إلا ما نعنيه بقطع اللسان حيث نريد به السكوت أو الإسكات، ولم يعن بقمع الجسد إلا ما نعنيه بقمع الرياضة والتربية، وكان كلمنت الإسكندري يقول بحق إن السيد المسيح لا يعني بنبذ المال أن نرفضه بتاتا في جميع الأحوال، إلا لم يكن الإحسان فضيلة من أكبر الفضائل في الوصايا المسيحية، وجاء القديس أوغسطين بعد ذلك فنفى أن الدين يوجب الزهد على كل أحد، مع استحسانه الزهد لمن يقدر عليه.
إلا أن الخلاف على فهم وصايا المسيح لم يزل قائما بعد تفسيرها على هذا الوجه مرات في أقوال حكماء المسيحية، ولا يزال هذا الخلاف قائما إلى عصرنا هذا في الوصايا التي تدور على رفض الحياة خاصة، وغير قليل من المتأولين ينحو منحى الدكتور «شويتزر»
Schweitzer
الذي يرى أن السيد المسيح قد أوصى الناس بتلك الوصايا؛ لاعتقاده أن الساعة قريبة، وأن الدنيا التي يهجرونها مقضي عليها بالفناء في مدى سنوات، فكل ما أوصى به الناس فالمفهوم منه أنهم على سفر، وأن الزاد للعالم الآخر من غير هذا الزاد الذي يدخره المدخرون للدنيا الزائلة.
وفي اعتقادنا أنه لا محل للخلاف على الوصايا التي وجهها السيد المسيح لتلاميذه ورسله المتجردين لنشر الدعوة، فإن كل دعوة في عصر المسيح، أو في عصرنا هذا، وفي جهاد الدين أو جهاد الدنيا؛ تحتاج من الدعاة إلى شل ذلك التجرد ومثل ذلك الانقطاع عن الشواغل الأخرى، ونظام فرق الفداء في الجيوش الحديثة معلوم لا خلاف عليه، وأول أحكامه أن يفكر «الجندي المجاهد» في الموت قبل تفكيره في الحياة.
إنما الخلاف على الوصايا حين تتجه إلى غير التلاميذ والرسل: إلى أبناء الدنيا الذين يعيشون فيها، ويعملون لأنفسهم، ولمن يعولونهم من أبنائهم وذويهم، فهل يطلب من هؤلاء جميعا أن ينقطعوا عن دنياهم، ويرفضوا حياتهم، ويتشبهوا بالطير والنبات في اعتمادهم على الغذاء والكساء؟
أقول حقا إنني أفهم وصايا السيد المسيح جميعا، ولا أجد في فهمها صعوبة على الإطلاق، إذا أنكرنا الجمود على الحروف والنصوص كما كان ينكرها - عليه السلام - وإذا علمنا أنه - عليه السلام - قد قال كل شيء حين قال، ولخص حكمته كلها في هذا المقال: «ليس الإنسان للسبت، وإنما السبت للإنسان.»
لقد كان هم السيد المسيح في الإصلاح النفسي تغيير البواعث لا تغيير المقادير.
Page inconnue