ولذلك سارتر ينكر الإيمان بالله، بل هو يكافح هذا الإيمان. •••
ويحب أخيرا ألا نقلل من إقدام سارتر على أن يكتب الفلسفة للشعب، أو على حد قوله إنه قد أدخل الفلسفة في السوق، فإنك تقرؤه فلا تجد تلك الكلمات النابية أو العبارات المعقدة التي تجدها عند من كتبوا قديما حين كانت الفلسفة تكتب للفلاسفة وليس للشعب، أو كما كان يكتب الفقه للفقهاء، وليس للشعب.
وهو هنا مبتكر ونافع وجريء، ولكن الأدباء العصريين قد سبقوه بأن صاروا يكتبون منذ نحو مائتي سنة للشعب أيضا. وهنا فرق عظيم بين الأدب الأوروبي والأدب العربي، أو على الأقل الأدب العربي القديم، فإن أمثال المتنبي والجاحظ والفرزدق وابن الرومي كانوا أدباء يكتبون لأدباء مثلهم وليس للشعب، بل إن المتنبي كان يفخر بأن الأدباء أنفسهم لا يفهمونه؛ إذ يختلفون عن معانيه ويناقشونها وهو قاعد هانئ.
وهذا التغير إنما يعزى إلى أن «الشعب» لم يكن موجودا عند الأمم القديمة، والذي أوجده في أوروبا هو الحركة الصناعية الجديدة التي عممت الثراء بين أفراده ثم عممت التعليم، فصار الأدباء والفلاسفة يكتبون للشعب وليس للأدباء والفقهاء والفلاسفة.
Page inconnue