بل كذلك التجربة في أغانينا وموسيقانا بالمقارنة إلى الأغاني والموسيقا الأوروبية، أيتهما تبعث على الانتعاش الروحي والصحة النفسية والإحساس الفني؟
أجل ليست التجربة في الكيمياء والطبيعيات وما إليها فقط؛ إذ هي يجب أن تشمل حياتنا الاجتماعية كلها، نجرب في نظام الدولة، ونجرب في نظام المجتمع ونجرب في الزواج والطلاق ونجرب في طرق التعليم، وفي معايش الناس حين يمارسون الزراعة أو الصناعة.
هذه واحدة مما تعلمت من جون ديوي. وأخرى هي أن المجتمع هو الذي يربينا؛ ولذلك هو يقول إن المجتمع كان يمكن أن يكون هو المربي الوحيد لنا بلا مدارس، ولكننا نحتاج إلى المدرسة كي نجمع الاختبارات المختلفة التي تزيد قيمتها على غيرها فنلتفت إليها دون غيرها مما هو أقل خطورة؛ وبذلك نستطيع أن نكسب الطالب من هذه الاختبارات المختارة في عام أكثر مما يستطيع أن يكسب من المجتمع في سنين حين ينتظر طروء هذه الاختبارات عليه جزافا.
التربية للمجتمع والمجتمع للتربية، وإذا انفصلت المدرسة عن المجتمع، وإذا انفصل إنسان، رجلا كان أو امرأة، عن المجتمع فهو - بقدر هذا الانفصال - تنقص أو تنعدم تربيته. •••
وقصة صغيرة أخيرة أرويها عن جون ديوي؛ لأنها تكاد تلخص لنا إيماءة حياته وهدف فلسفته، فإن هذا الرجل كان يحيا كي ينشد الاختبارات في هذه الدنيا، وهو يختبر كي يفلسف ويستقطر الحكمة والسعادة من اختباراته؛ ولذلك نجده قبل نحو ست سنوات يقصد إلى قرية أو مدينة صغيرة يعيش فيها آخر أيامه بعيدا عن صخب العواصم وهرولتها. وهو يحب حتى في سني شيخوخته في هذا المعتكف أن يؤدي عملا أو خدمة للمجتمع، فهو يربي البقر ويستدر اللبن، فإذا جاءت طلائع الصباح حمل اللبن على عربته وهرع إلى البيوت يوزعه بالثمن المجزي. وهو يقص علينا في فكاهة أن إحدى السيدات التي فتحت له الباب كي تتسلم منه زجاجات اللبن طلبت منه ألا يقرع هذا الباب، وإنما يقصد إلى الباب الخلفي الذي يؤدي إلى المطبخ.
فيلسوف لا غش فيه!
سارتر
زعيم الانفرادية
الفلسفة الوجودية، المذهب الوجودي، بول سارتر؛ كلمات تجري على الألسنة للمناقشة والمداعبة، تجري على ألسنة الأساتذة الذين تعمقوا الفلسفة، أو العلميين الذين ينشدون دينا أو مذهبا يتفق مع الثقافة المادية التي تغمرهم.
وتجري على ألسنة الشبان والفتيات الذين وجدوا في مذهب الحرية التي تدعو إليها الوجودية، أو تضطر إلى الاعتماد عليها، أساسا قويا تنهض عليه، وجدوا فيها ما يقارب الإباحة فاستهتروا، ولكنهم لم يخدعوا أحدا بأنهم فلاسفة أو أن بول سارتر يؤيدهم ... لا، هم شبان يضحكون ويمرحون لا أكثر.
Page inconnue