مقدمة
المؤلف الذي نحبه ليس فقط صديقا نأتنس بآرائه ونستفيد بأفكاره، إنما هو أكثر من ذلك.
هو بهذه الآراء والأفكار يتسلل إلى قلوبنا وعقولنا فيؤثر في شخصيتنا أو يغيرها. وهو بهذه المثابة، نفسي فسيولوجي له دورة حيوية في وجودنا. ولكن المؤلف العظيم، ليس هو الذي يجعلنا نرى الدنيا بعينيه ونشهد على الناس والأشياء بضميره، وإنما هو الذي يعلمنا الاستقلال رائين ومشاهدين معا، وإن لم يكن في رؤيته وشهادته قد فتح بصيرتنا.
إن كل إنسان كون نفسه؛ ولذلك له الحق في أن يسأل في استقلال، وأن يجيب في استقلال عما يحس وعما يجد، وهؤلاء المؤلفون الذين تخصصوا في الرؤية والشهادة جديرون بأن نقرأهم، ولكن يجب أن نحذرهم، وهيهات أن نحذرهم؛ ذلك لأن لكل كاتب إيحاءاته التي لا طاقة لنا بالتخلص منها، وأحيانا له إيعازاته التي تندس إلى عقولنا من حيث لا ندري، ولكن علينا في كل حال أن ننشد الاستقلال.
وقد تأثرت بهؤلاء الكتاب الذين ذكرتهم في هذا الكتاب وأحببتهم وأعظمتهم، ووجدت فيهم النور والتوجيه، ولكني حاولت الاستقلال، وهذا ما أنصح به القارئ الذي يجب أن ينصت إلى قول أمير الأدب جيته؛ إذ يقول: «كن رجلا ولا تتبع خطواتي!»
س.م
المؤلفون يغيرون الدنيا
الحياة مشروع نضع تخطيطاته منذ نبدأ الوجدان وندري ما نفعل، أو هي خارطة نأخذ في رسمها مدة سبعين أو ثمانين سنة. فنحن المسئولون عن إتمام هذا المشروع أو رسم هذه الخارطة. ومع أننا نعرف من السيكلوجية الحديثة أن سلطة الأبوين، وسط العائلة، وطراز المجتمع الذي نعيش فيه، وتراثنا البيولوجي، نعرف أن لكل هذا أثره في تكويننا وتوجيهنا، فإن النظر إلى الحياة باعتبارها مشروعا يخطط أو خارطة ترسم، هذا النظر يستحق الاعتبار، ويجب أن تكون له مكانة في الطاقة النفسية لكل إنسان. وإذا كانت «الوجودية» تجعل من الفرد المسئول الأول عن أعماله، وتزعم أن هذا فلسفة، فلا أقل من أن نسلم نحن بهذا الزعم ونهدف منه لا إلى الفلسفة، ولكن إلى البناء الأخلاقي.
وحسن في الأخلاق أن نقول إننا مسئولون عما نفعل، وفيما يلي بعض الخطوط التي أنقلها إلى القارئ الشاب عن مشروع حياتي أو خارطتها، فقد يكون فيها عبرة صغيرة إلى جانب الزبد الكثير.
بدأت أرسم خارطة حياتي حوالي عام 1906 حين ساء الوسط العائلي، وكان يتعقبني بالعذاب «رجل نيوروزي» جعلني أبيت وأصبح في كرب لا يطاق، ففررت إلى أوروبا. وهناك انبسطت لي آفاق، وحلمت أحلاما ورأيت رؤى، وشرعت أدرس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأختلط بعناصر جديدة في المجتمعات والعائلات، وأقرأ من الكتب ما يشع النور في عقلي ويبعث الشجاعة في قلبي، فقررت من ذلك الوقت، وأنا حوالي العشرين أن أكون متمدنا ومثقفا. وقد مضى علي نحو خمس وأربعين سنة وأنا أعاني الخصومات بسبب هذا القرار السري!
Page inconnue