18
أشرق الصباح على قرية السلام، وتهيأ العمدة يريد الذهاب إلى لطيف، فإذا بالأنباء تأتيه لقد أصيب لطيف ومات الزهار والنمرود وكمال، كمال الطبال؟! نعم كمال الطبال!
إذن فتلك هي العصابة، فأين ابنتي؟ لم يكن الأمر محتاجا لكبير ذكاء، لم يبق من منتدى بيت النمرود إلا نور يقصدون إلى بيته فيجدونه خاليا، فيهمون أن يتركوه فإذا نور قادم ليبحث عن رفاقه الذين أخلفوا معه موعدهم وتركوه جائعا هو وحبيسته، ويراه القوم قادما من وراء القرية من خلال أعواد الذرة، فيمسكون به ويتداعى الرجل، وتعود درية إلى بيت أبيها. •••
لم يكن فخري قد ترك القرية منذ قدم إليها، فقد شغلته الحوادث أن يتركها، وقد آن له الأوان أن يعود إلى دراسته، ولكن عليه رسالة لا بد أن يبلغها العمدة قبل أن يبرح القرية. هي رسالة أجمع عليها المثقفون في القرية ولم يجدوا غير فخري ليؤديها عنهم. هي أمله وأملهم، وما كان ليمضي عن القرية قبل أن يحقق أمله وأمل إخوانه.
ذهب فخري إلى العمدة فوجد الدوار مزدحما يغص بالمهنئين بعودة درية، وبعودة السلام إلى قرية السلام.
ويميل فخري إلى أذن أبيه: أبي، هلا استأذنت لنا العمدة أن نخلوا إليه بضع لحظات؟
ويقول الشيخ حسن في ابتسامة تكاد تشرق، لولا ما في القلب من حرقة على موت ابنه الأكبر: نعم يا ابني أظن الوقت مناسبا. - مناسب تماما يا أبي، افعل لا عدمتك.
ويميل الشيخ حسن على أذن العمدة فيقوم ويقوم من ورائه فخري والشيخ حسن، ويفهم إخوان فخري ما بسبيله أن يقال في هذه الخلوة، ويحاول آخرون أن يخلقوا في أذهانهم أسبابا أخرى، ويحسد كل منهم نفسه على ذكائه المتوقد واستنتاجه الصائب.
وفي الغرفة التي شهدت رفض العمدة لطلب الشيخ حسن يقول العمدة بعد أن استقر بهم المجلس: نعم يا فخري، هي لك، هي لك يا ابني دون أن تطلب.
ولكن فخري يقول كلاما آخر يذهل له أبوه، فما كان هذا ما توقعه، ويذهل له العمدة أيضا يقول فخري: أبقاك الله وأبقاها لك يا حضرة العمدة، ولكن ليس هذا ما أردتك فيه. - ففيم إذن يا ابني؟ - لقد خرجت القرية من غمرة قاتلة فقدنا فيها أرواحا عزيزة علينا، وفقدنا فيها كرامة هي أغلى عندنا من الأرواح، وفقدنا أموالا هي أهون ما فقدنا يا حضرة العمدة. أنت وحدك المسئول عن كل هذا. نريد منك نحن أهل قرية السلام أن تقسم يمينا على المصحف أمام الله: أن يكون الحق شأنك منذ اليوم، فلا ظلم، ولا ميل، ولا رشوة ...
Page inconnue