فصرخ بكر: قطعا لألسنة الوشاة!
وافترقا شبه متخاصمين. وجعل سليمان ينفق من مدخره ويقول: أسأل الله أن يجيء موتي قبل أن أمد يدي إلى بكر.
30
في أثناء ذلك تحسنت أحوال بكر التجارية والمالية، وأنجب من رضوانة رضوان وصفية وسماحة. وقد زلزله طلاق أمه، وترامت إليه شائعات أليمة، حتى اضطر إلى أن يبصرها بسلوكها وما يثيره حولها. وغضبت سنية ولعنت الحارة ووصمتها بكل خسيس، ولم تغير من تحررها وانطلاقها.
إلى ذلك كان بكر قلقا مضطربا في حياته الزوجية. لم يشعر أبدا بأنه ملك رضوانة، ولم يكف عن التفاني في حبها. ليست هي بالمطيعة ولا بالمتفاهمة ولا بالمستجيبة، وبها حدة مجهولة الأسباب تستفحل مع الأيام. إنها تنال ما تريد بلا امتنان ولا سعادة، وهو لا يطيق الدنيا إذا جفته أو خاصمته. ويجن جنونا إذا خطر له أن حبها له ليس بالقوة اللائقة. ماذا ينقصها؟ ماذا تريد؟ أليس هو بالزوج المثالي؟ إنه يتجنب ما يثيرها من قريب أو بعيد، ولكن ما يثيرها يدهمه من حيث لا يحتسب. وبدت المعاشرة بلا أثر، وبدت الذرية بلا أثر كذلك. وانطوى على قرحة أفسدت عليه مذاق حياته الخاصة. - رضوانة، بوسعك أن تجعلي من دارنا عشا للسعادة.
فتساءلت بغموض: أليست هي كذلك؟ - ولكنك تهملين حبي يا رضوانة؟
فقالت متأففة: إنك لا تفكر إلا في مسراتك، وتنسى أنني أم لثلاثة.
فقال بأسف: إني أفتقد حرارة تكافئ حبي العظيم!
فضحكت بفتور وتمتمت: أنت طماع، أما أنا فأبذل خير ما عندي.
وضاعف من تعاسته تمزق العلاقات الطيبة بين أمه وزوجته. منذ اختفاء خضر تغيرت سنية، وسرعان ما قابلت رضوانة التغير بمثله أو بأسوأ منه. وتنافرتا مرة بعنف حتى قالت سنية لها بحدة واتهام: قلبي يحدثني ببراءة خضر!
Page inconnue