واستاء القاضي من لياذه بالصمت بغير سبب معقول، وسأله بلهجة خشنة: لماذا لا تجيب؟ .. قل ما اسمك.
فقال الرجل بصوت خافت وعلى فمه ابتسامة خفيفة غامضة: لا أدري يا سيدي.
فتضاعف استياء القاضي وقال منتهرا: ألا تدري ما اسمك حقا؟ - بلى يا سيدي .. نسيته. - أتقول إنك نسيت اسمك .. بم يدعوك الناس؟
لا أحد يدعوني، لقد مات أهلي وذوي، ولبثت في الدنيا دهرا طويلا لا يدعوني أحد ولا يناديني إنسان، وكان رأسي مفعما بالأفكار والأحلام فنسيت اسمي.
واتهم القاضي الشيخ بالبله والخرف، وتحول عنه يائسا إلى حارس الأمن وسأله: ما الذي حملك على سوق هذا الرجل إلى المحكمة؟
فقال «رام»: إنه يا سيدي رجل لا يستريح ولا يريح، يتطفل على الناس ويجادلهم في الخير والشر، ولا يدعهم إلا وقد فرقت بينهم الفتنة والشقاق.
فالتفت إليه القاضي وسأله: ما الذي تريده من وراء ذلك؟
فحدجه الشيخ بنظرة حادة، وقال بصوت قوي النبرات يهزأ بالسنين التي عاشها في هذه الدنيا: أريد أن أصلح هذه الدنيا البشعة يا سيدي.
فابتسم القاضي وسأله: أليس يوجد من يهب حياته لهذا العمل النبيل وهو قادر عليه؟ ماذا يفعل القاضي وحارس الأمن والطبيب؟ اطمئن أيها الشيخ وأرح نفسك ولا تحمل شيخوختك ما لا طاقة لها به من بلوغ هذا المطلب العسير، وغيرك عليه أقدر.
فهز الرجل رأسه بعناد وقال: جميع من ذكرت قد وجدوا منذ الأزل، ولكنهم لم يقدروا بعد على تغيير هذه البشاعة التي تشوه وجه الدنيا. ولا نزال نرى في كل بقعة من الأرض نذر الشر وآثار الجريمة. - وهل تنجح أنت إذا أخفقت جميع هذه القوى المؤتلفة؟ - نعم يا سيدي .. أمهلني وسوف ترى.
Page inconnue