ولمحت فمه يرتجف، لا بد أنه يجرب كلمات ما قبل أن ينطقها، وأحسست بالارتياح، هكذا كنا نفعل، ولكننا كنا حين نوجد في حضرة الفتاة تتسمر الكلمات على أفواهنا ولا ننطق.
ولكن الشاب هز نفسه، وقال في همس ملح: «أنا شفت حضرتك في الجامعة، في الآداب؟ مش كده؟!»
وما كاد ينتهي من آخر كلماته حتى كان وجهها في حالة غضب كامل، وحتى كانت قد استدارت إلى الناحية الأخرى في اشمئزاز ظاهر، بينما راحت يدها تتابع ضغطها على يد الأخ الأصغر، والمسكين يحاول أن يخلص يده من يدها بلا فائدة.
وصحيح أني لم أسترح إلى الطريقة التي غضبت بها؛ فقد غضبت بسرعة غير عادية، وكأنها كانت تتوقع أن تحدث محاولة كهذه، ثم لماذا تلك الضغطات العصبية على يد مندوب العائلة؟
ومع هذا رحت أرمق الشاب الصغير في شماتة، وتوقعت أن وجهه لا بد أن يحفل حالا بالبياض والعرق؛ ففي أمثال هذه المناسبات كانت صدمتنا تمتد إلى أسبوع، وربما أكثر.
ولكني لم أجد في وجهه شحوبا ما، ولم أجد نقطة عرق باردة واحدة، وجدت ابتسامته لا تزال كما هي، وكل شيء فيه كما هو، وكأنه هو الآخر كان يتوقع هذه الغضبة الأولى، وقلت لنفسي: لا بد أنه من الصنف البارد «التلم»، ولكني أدركت أني ظلمته، فلم يكن يبدو عليه برود أو تلامة، كان شابا عاديا جدا، لا تحس به جريئا ولا خائفا، ولا واسع الحيلة أو قليل الدهاء.
وفي أيامنا كنت تقتلنا ولا نستطيع أن نكرر المحاولة، وكنا لا نعمل شيئا طوال أيام كثيرة إلا أن نستعيد دقائق ما حدث في المحاولة الأولى، ونهوي إلى آبار خجل لا قرار لها، ونظل نؤنب أنفسنا، ونلعن من أشار علينا، ونسب الدنيا والحظ وأحيانا نفكر في الانتحار.
أما الشاب الصغير فقد اقترب مرة أخرى منها وهمس في إلحاح جديد: «الله! مش المدموازيل في الآداب؟!»
ولم تتحرك شعرة واحدة فيها، وكأنها لم تسمع.
وبدأت أتفاءل.
Page inconnue