والفتاة كانت قد أمسكت بيد أخيها الصغير، بعد أن كان هو الذي يمسك بيدها، وراحت تضغط عليها ضغطات منتظمة، بينما وجهها قد اتخذ زاوية معينة لا يحيد عنها.
أما جاري فقد راح يتأفف من الحر، ولكن يبدو أنه أحس بأن الأمور سوف تتطور حالا، فقد ترك خجله مني جانبا، واستدار بوجهه كلية إلى حيث يقفان، ولم يرفع عينيه منذ تلك اللحظة عنهما أبدا.
وعلى حين بغتة، استدار الشاب مرة، وحمل وجهه ظرفا كثيرا، وأعاد اعتذاره إلى الفتاة عن الصدمة السابقة في همس خافت، بدا لي كأنه نجوى.
ولم ترد الفتاة هذه المرة، ولكنها خفضت رأسها واحمر وجهها.
وازداد اضطرابي.
وازداد أكثر حين عن لأحد الركاب الواقفين، وكان سمينا ذا كرش عظيم، أن يغير من وقفته، فتحرك حتى أصبح جسده الضخم يحول بيننا وبينهما، وكان اضطراب جاري أفظع، ورحنا نحن الاثنين نصوب للرجل وكرشه نظرات نارية ملتهبة تكاد تخرقه أو تذيبه لكي نستطيع العودة إلى متابعة المشهد.
ويبدو أن الرجل أحس من نظراتنا أننا نتهمه بتهمة أبشع من مجرد التستر، فقد وقف محرجا مرتبكا لا يدري ماذا يفعل ليرضينا، وسرعان ما خف الجار إلى نجدته فقال له بصوت جاد آمر: «ما تتفضل حضرتك تخش جوه، فيه وسع جوه، اتفضل جوه، مضايق نفسك ومضايق الناس ليه؟! ما دام فيه وسع نضيق على نفسنا ليه؟!»
وتحرك الرجل وهو يشكر للجار نصيحته.
وعدنا إلى مسرح الأحداث، وعاد وجه جاري يحفل بالاستمتاع والنشوة.
وخفت أن أكون قد عدت متأخرا كثيرا، ولكن حمدا لله، كل ما كان قد حدث أن الفتاة قد رفعت رأسها، وأن الشاب كان قد مد ذراعه الأيسر ليمسك عامود الأوتوبيس، فأصبح ذراعه لصق شعرها.
Page inconnue