La Modernité : Une Très Courte Introduction
الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
تقيأت مراسيم بابوية على القط.
محاكاة ساخرة من جيه سي سكوير لقصيدة رباعية كتبها تي إس إليوت
يدور هذا الكتاب حول الأفكار والأساليب التي تخللت الأعمال الفنية المجددة في الفترة من عام 1909 حتى عام 1939. إنه لا يتحدث، في الأساس، عن «الحداثة»؛ أي الضغوط والمتاعب التي وقعت خلال هذه الفترة بفعل فقدان الإيمان بالدين، وتصاعد اعتمادنا على العلم والتكنولوجيا، وتوسع الأسواق، وتحويل كل شيء إلى سلعة بفعل الرأسمالية، ونمو الثقافة الجماهيرية وتأثيرها، واجتياح البيروقراطية للحياة الخاصة، وتغير المعتقدات بشأن العلاقات بين الجنسين. لقد كان لكل هذه التطورات تأثيرات خطيرة على الفنون، كما سنرى، ولكن فكرتي الأساسية هنا تتمثل في التحدي الذي يواجه فهمنا للأعمال الفنية الفردية.
يمكننا استخلاص فكرة أولية جيدة عن طبيعة الحداثة في العمل الفني من خلال النظر إلى بعض الصعوبات التي جالت بذهن إليوت؛ لذا سوف أتناول رواية ولوحة فنية وعملا موسيقيا، وأتساءل إن كان بإمكانها أن تخبرنا عن طبيعة الفن في حقبتها (وتركز الأعمال الثلاثة جميعا على جانب عظيم من الحداثة؛ ألا وهو الحياة في المدينة). سوف أحاول من خلال هذه الأعمال أن أوضح كيف يمكن أن يحدث تفاعل بين الأساليب التجديدية والأفكار الحداثية. وفي غضون ذلك، يتعين علينا تقبل بعض المشكلات الصعبة المتعلقة بالتأويل؛ إذ إن جميعها تنحرف بطرق مثيرة عن المعايير والمبادئ الواقعية للقرن التاسع عشر، والتي لا نزال نعول عليها بوجه عام لفهم العالم، ولكن روايات مثل «ميدل مارش» و«آنا كارنينا» (على الرغم من تركيزها على التوترات التي جلبتها المطالبات الجديدة فيما يتعلق بوضع المرأة) تبدو الآن وكأنها تأتينا من إطار فكري مستقر نسبيا، وتقدم لنا عن طريق راو ودود - بدرجة أو بأخرى - وواضح وذي مصداقية على المستوى المعنوي، ويخلق لنا عالما يتوقع منا إدراكه، وينتمي للماضي. ولكن الفن الحداثي أقل مباشرة من ذلك بكثير؛ فبمقدوره أن يجعل العالم يبدو غير مألوف لنا؛ إذ يعاد ترتيبه من خلال تقاليد وأعراف الفن. «يوليسيس»
تبدو الكلمات الافتتاحية لرواية جيمس جويس «يوليسيس»، للوهلة الأولى، وكأنها قادمة من العالم الواقعي، ولكن المظاهر خادعة، وتصبح أكثر خداعا مع تعمقنا أكثر في الرواية، وتصبح انحرافاتها الأسلوبية أكثر وضوحا، على الرغم من أنها مرتكزة في الأساس داخل تاريخ دقيق إلى حد كبير.
في جلال، طلع باك موليجان من رأس السلم حاملا دورقا مملوءا برغوة الصابون عليه مرآة وشفرة حلاقة وضعتا متصالبتين. كان هناك روب أصفر اللون، غير محزم، مرفوع بخفة من خلفه على نسيم الصباح المعتدل. رفع الدورق إلى أعلى ورتل: - سآتي إلى مذبح الرب.
ثم توقف عن الغناء وأطل برأسه لأسفل نحو الدرج الملتف المظلم وقال بصوت أجش: - اصعد يا كينتش. اصعد أيها اليسوعي المخيف!
يكمن الأسلوب الحداثي الأساسي هنا في صياغة جويس للإشارات الضمنية التي تقودنا لاستشعار حضور بنيات مفاهيمية أو شكلية. وهكذا، وكما يشير هيو كينر في دليله العبقري، في هذا الكتاب، الذي سيوازي أسلوبه السردي أسلوب «الأوديسا» لهوميروس، فإن الكلمات التسع الأولى تحاكي إيقاعات تفعيلة سداسية هوميروسية، والإناء الذي يحمله موليجان أيضا، في عالم التلميح الضمني الموازي، يمثل كأسا قربانية تستقر عليها أدوات حلاقته «متصالبة». والروب الأصفر يحاكي ثياب الكهنة - لأجل تلك الأيام التي لم يكن يحدد فيها لون آخر - ذات اللونين الأبيض والذهبي. وعلاوة على ذلك، فإن كون الروب «غير محزم» (بمعنى أن حزام الروب غير مربوط، كما هو الحال بالنسبة للطقس الكهنوتي الخاص بإثبات العفة) يعني أن الكاهن عريان من الأمام، جاعلا عورته مكشوفة يعبث بها الهواء الخفيف، وهو يعي ذلك أيضا. وكلمة «يرتل» متعمدة؛ ففي أثناء استعداده للحلاقة يعزف أيضا في «القداس الأسود» مع كاهنه العاري. إن الكلمات التي يتحدث بها، والتي تخص «أسقف القداس الكاثوليكي»، مشتقة من نسخة القديس جيروم اللاتينية من كلمات عبرية منسوبة إلى ناظم ترانيم في المنفى: «سوف أصعد إلى مذبح الرب.» لذلك فهو اقتباس من اقتباس من اقتباس، وهو بوجه عام صرخة استغاثة يهودية وسط الاضطهاد.
بالطبع لا يلاحظ من يقرأ لأول مرة كل هذا - أو ربما لا يحتاج لملاحظته - ولكن الكتاب ككل يصوغ مثل هذه المحاكيات، التي تعزز وعينا بالمتوازيات البنيوية المهمة؛ ومن ثم يشير كينر أيضا إلى أنه:
قد نلاحظ أيضا خلال قراءة أخرى لاحقة مدى ملاءمة عبارة مبدئية بعبرية متخفية، فيما يتعلق بكتاب بلوم؛ بطلها اليهودي، النسخة الحديثة من يوليسيس. لاحظ أيضا أنه مثلما يتقمص الكاهن الروماني دور ناظم الترانيم، كان الوعي السياسي الأيرلندي في تلك السنوات يلعب دور «الشعب المختار» الأسير، مثل دور بريطانيا العظمى بالنسبة لبابل أو مصر.
Page inconnue