La Modernité : Une Très Courte Introduction
الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
4-3 ) بين محاكاة سياسية، تظهر التأثيرات المرعبة لواحدة من الغارات الجوية الأولى التي وجهت ضد سكان مدنيين ، والغضب المعنوي النابع من ذلك، مع استخدام عميق للتقنيات الحداثية التلميحية والخرافية والمشوهة للشكل. وكان تأثيرها السياسي، باعتبارها دراسة للحرب والإرهاب، تأثيرا دائما، منذ عرضها في نحو عام 1937، حتى استخدامها الحالي، في نسخة من النسيج المزركش، بإحدى ردهات مقر الأمم المتحدة (وكانت مغطاة حين أصدر كولن باول تصريحا أمامها بشأن غزو العراق). إن تأثيرها يكمل ويمدد، ويعطي عمقا إنسانيا للواقعية التي تؤسس لحقائق تاريخية. وقد تجلى هذا التناقض في عرضها الأول في الجناح الإسباني بمعرض باريس الدولي؛ حيث «كان كل زائر في مواجهة تمثال «مونتسرات» لجونزاليز الذي ينتمي للفن الواقعي الاشتراكي عند المدخل، وتمثال حديدي لفلاحة تقف في شموخ في مواجهة جميع الوافدين حاملة منجلها ودرعها»، والصور الفوتوغرافية لجورنيكا في شعلات لهب على أرضية بالأعلى، إلى جانب لوح جداري يحمل قصيدة بول إيلوار «انتصار جورنيكا». وقد كان هذا التصوير الفوتوغرافي والفن الواقعي الاشتراكي متعاونا مع، وليس ضد، الجداريات الحداثية الضخمة؛ فوجودهم معا وحده هو ما مكنهم من فرض استجابة تأملية.
شكل 4-3: بابلو بيكاسو، لوحة «جورنيكا» 1937. تصوير للقصف العشوائي للمدنيين؛ وهي لوحة تتسم بالغموض والضخامة، وتمثل رائعة من روائع التلميح الضمني المعقد، وتعد بمنزلة نبوءة مرعبة.
عند النظر إلى الجوانب الحداثية للرسم، يمكننا أن نرى انبعاثا للكلاسيكية الجديدة؛ «مزيج الركود والصخب» في عمل أشبه بإفريز، و«الأسلوب النحتي الدقيق لمشاهد المعارك الديفيدية» في «عرض مهيب للصراع حمل معارضة قوية لتقليد ديفيد». ولكن تيم هيلتون، الذي أحذو حذوه، يرى «جورنيكا» أيضا كلوحة غامضة تحمل أيقونات مبهمة؛ فلا أحد حقا يعرف إلام يرمز الثور، على سبيل المثال. وهذه الالتباسات من شأنها التأثير على أي تقييم للتأثيرات السياسية للعمل.
في أكتوبر 1937، استخدم أنطوني بلانت، الذي كان آنذاك مؤيدا ستالينيا للواقعية الاشتراكية؛ الحجة الجماعاتية، فكان يرى أن صور بيكاسو الخيالية الخاصة كانت فقط «لزمرة محدودة من الملحدين». وهذا يفرض سؤالا: كيف يمكن لفن حداثي كهذا أن يكون فنا للمعارضة في الساحة السياسية على نحو فعال؟ من الواضح أن التأثير المعارض للوحة «جورنيكا» في ذلك الوقت كان على الأرجح أقل من، أو على الأقل خاضعا لتأثير الصور الفوتوغرافية، التي رسخت، بالاشتراك مع شهادات العيان التي أدلى بها مراسلو الصحف، للحقائق المادية والتاريخية للوحشية. لكن كعمل فني، فإن «آثارها» معد لها أيضا أن تتجاوز فترة التدخل السياسي الفعال؛ ومن هنا يبرز السؤال لبلانت وأمثاله: هل يريدون ذلك النوع من الفن الملائم دائما من الأساس؟
الإجابة هي أن «جورنيكا» ليست، ولا ينبغي أن تكون، مجرد جزء من ذلك الجدال المحلي، وهي لا تتحيز بشكل واضح لأحد في الولايات المتحدة أيضا، أيا كان الواقف أمامها. لا بد أن نحدد ما نعتقده بشأن سخطها المعنوي على التدمير العسكري أو الإرهابي لسكان مدنيين (وما إذا كان ذلك ينطبق على العراق).
وهناك الكثير من الصور الفوتوغرافية والتقارير الأحدث لمساعدتنا في الصحف وفي التليفزيون، وإلا قد تكون «مجرد» صورة مسالمة، حتى وإن كانت تحتج وتستسلم للاستمرار الحتمي لهذا النوع من الظلم وخرافات التحول إلى النمط العسكري الداعمة لهذا الظلم، والتي، كما يعتقد العديد من الحداثيين (أبرزهم نيتشه وييتس)، تتكرر مرارا حتما.
ولكن كيف يمارس هذا الاستغلال للخرافة تأثيره؟ يرى ماكس رافاييل، الذي كان يمارس الكتابة وقت أن كانت «جورنيكا» في أوج شهرتها، أن الرمزية الخرافية في غاية التباين والتناقض؛ فالثور، على سبيل المثال، قد ينظر إليه كرمز لقوة الحياة الذكورية، أو رمز للانبعاث والنهضة، أو حتى كرمز للسادية البليدة للفاشية. ويمكن أن يكون الحصان تعبيرا عن الفاشية المهزومة، أو الناس وهم في حالة من الهزيمة القربانية. ويحاكي رافاييل بلانت في الاعتقاد بأن رمزية العمل ليست «بديهية»، و«مسفهة» أكثر منها محفزة على «الحراك الإبداعي»؛ فالصورة شخصية أكثر من اللازم، ومليئة «بالوساوس الداخلية» (وكأنها من صنع دالي)؛ ومن ثم «تخفق في احترام الحراك الواقعي في العالم الواقعي». والحراك «الواقعي» هنا يبدو شبيها إلى حد كبير بالحراك الحزبي، ولا يوجد الكثير من المنطق في الاعتقاد بأن له أحقية أكبر في ادعاء «الواقعية» من أي نوع آخر. ويتوصل كريستوفر جرين إلى مجموعة مختلفة من الاعتبارات الحداثية ، مذكرا إيانا بأن التحليل النفسي ادعى شمولية للخرافة؛ ولذا يحظى الابتذال الظاهر للرمزية هنا بشمولية معقدة عن طريق التلميح الضمني؛ ومن ثم فهي بعيدة كل البعد عن التأثير الخاص أو الاستحواذي؛ فالنساء الحزينات يستدعين إلى الأذهان صلبا مسيحيا، والثور يستدعي إلى الأذهان المصارع. ويرتبط الحصان بالخرافات الإسبانية للتضحية في حلبة مصارعة الثيران. ونطاق هذا كبير في الواقع؛ ولذلك نعود إلى الاعتبارات التي أثارها استشهادي الافتتاحي من رواية «يوليسيس»، الذي يعد أيضا عملا خرافيا ينتمي للكلاسيكية الجديدة، وذا طابع شمولي، وتجريبيا - بلا شك - مثل «جورنيكا».
تعتبر لوحة بيكاسو مثالا ممتازا للصراع الحدودي للحداثة مع الفن الواقعي، ومع المتطلبات السياسية التي يمكن فرضها على العمل التجريبي. ومن الواضح أن الكثير جدا من الأمور تعتمد بوضوح على سياسة اللحظة. وقد ساعد التأويل السياسي «الواضح» للصور الفوتوغرافية (ناهيك عن التقارير في الصحافة) على جعل لوحة «جورنيكا» عملا ضروريا للغاية، ولكن في المنظور الأطول مدى، قد يكون هناك امتنان أعمق وأكثر استمرارية للفنون، وبخاصة فنون الحداثة؛ لنماذجها النوعية ذات الطابع الكلاسيكي المجدد والشمولي، ومغزاها الأخلاقي الإنساني المستمر، ومطالبها السياسية، واستعدادها لجمع الثقافات معا، من خلال رؤية أطر لاهوتية وسياسية متباينة عبر ما تحويه من خرافات ورموز. وخلال ذلك، يمكن أن تكشف عن شيء عميق، ومتضارب وصعب أيضا، يتعلق بالسلوك البشري. وهذا ما عولت عليه لوحة «جورنيكا» لتبقى لأمد طويل رائعة من الروائع الفنية؛ فالبقاء القوي المذهل للأعمال الحداثية العظيمة، وملاءمتها المستمرة لسياقات سياسية مختلفة إلى حد كبير (ولعالم تحظى فيه ماركسية رافاييل بمكانة أقل بكثير)؛ هما ما يجب أن يشكلا أهمية بالنسبة لنا.
ولكن قد نتساءل أي من السياسة والثقافة هو الحاوية، وأي منهما المحتوى؟ في اعتقادي ثقافة الأمة، ناهيك عن الثقافة الأوروبية الجماعية التي ألهمت معظم الحداثيين (بما في ذلك رواياتها التاريخية المستحسنة)، يجب اعتبارها دائما الوعاء الحاوي لسياستها (التي لا بد أن نتمنى لها دائما أن تنهزم، في أسوأ مظاهرها) وليس العكس؛ فالتعاطفات الثقافية الشاملة والجامعة للحداثة هي ما تجعلها ضرورية جدا للثقافة وصراعات العصر الحالي ، الذي يواجه تحديات هذا القرن، ولكنه لا يستطيع نسيان الدروس التاريخية أو الحكمة الفنية للقرن السابق.
المراجع
Page inconnue