ثم انتزعوا لأنفسهم لقب الخلافة، حينما علموا بما حاق بالعباسيين من الوهن والضعف، ولا تزال أهل مراكش (المغرب الأقصى) إلى الآن لا يعترفون بالخلافة إلا لسلاطينهم دون آل عثمان.
وأما الخلافة المصرية، وهي «الفاطمية»، فقد كانت مصر في أيامها محط العز والسعادة، ومستقر المعارف والفضائل، وكان اللون الأخضر شعارها،
4
ولا يزال شعارا للأشراف من عهدها إلى الآن. أصبحت مصر في حكم الفواطم غرة في جبين الأمصار، وارتفع للحضارة فيها أعلى منار، ووصل العلم في عهدها إلى أقصى الغايات، واستبحر العمران لدرجة تتضاءل دونها أكبر دولة في العالم، ولكنها ما لبثت أن تولاها الضعف وأسرع إليها الفناء؛ لأنها غلت في الترف والفجور والملاهي، فأشبهت دولة الرومان أو دولة الروم؛ فأصابها ما حل بها من الزوال.
5
بله ما امتازت به في أخريات حياتها من أساليب الختل والخداع، وتهالكها أكثر من غيرها على استباحة الحرمات، فقد كانت تصادر الرعية وأرباب الدولة بغير حق ولأوهى سبب حتى أصبح الخليفة «النهاب الوهاب»، هذا عدا إفحاشهم في سفك الدماء، فقد بلغ القتل درجة لا يتصورها عقل، ومن ذلك أن ولي العهد حسن بن الحافظ لدين الله ذبح في ليلة واحدة أربعين رجلا من أمراء مصر، إلى غير ذلك مما ارتكبه من الموبقات التي أشار إليها المعتمد بن الأنصاري، صاحب الترسل، بقوله:
لم تأت يا حسن بين الورى حسنا
ولم تر الحق في دنيا ولا دين
قتل النفوس بلا جرم ولا سبب
والجور في أخذ أموال المساكين
Page inconnue