لكم دينكم ولي دين ؟ أليس هو الذي يقول:
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، ويقول:
لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ؟
أما الحرب فهي من طبيعة الإنسان، أو هي من المصائب الضرورية كما يقول علماء العمران، وأي دولة قامت قديما أو حديثا وتوسعت في العمران وتبسطت في الملك بغير الحرب؟ على أن الإسلام لم يضطر إلى الحروب في زمن مبلغه وأبي بكر وعمر إلا ليثأر لنفسه من واتريه، وليدفع عن نفسه أذاهم، أما الحروب التي كانت من بعد ذلك فإنما أشعل جذوتها المسلمون لا الإسلام، على أن الأمم التي خيم عليها الظلم ونخر جسمها الفساد كانت هي التي تتطلب تداخل الجيوش الإسلامية، وتستنصرها على حكامها الظالمين، كما حصل في إسبانيا، وكذلك الملوك كانوا ينتصرون بخلفاء الإسلام حينما تقوم عليهم رعاياهم، كما حصل لإمبراطور الصين في أيام العباسيين، فإنه استنجد بأحد الخلفاء، فأرسل إليه جيشا بقي أفراده في بلاده وأوجدوا الإسلام، وهم إلى الآن من رجال الفضل والرياسة والجند الذي عليه المعول، خصوصا في إقليم يون نان، وفضلا عن هذا وذاك؛ فإن تجار المسلمين لهم اليد البيضاء في نشره في قارة أفريقيا إلى الآن بحسن سيرهم، وبأخلاقهم الجميلة، وبمعاملتهم الصادقة.
والخلاصة أن كل من يستقري أخبار الفتوح الإسلامية من بعد النبي
صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر يجدها كلها راجعة إلى التوسع في الملك والاستعمار، هذا التوسع الذي تطمح إليه الأمم الجديدة عند ظهورها في ميدان العالم، ذلك ناموس عمراني خضع له العرب مثلما خضعت له الأمم القديمة والأمم الحديثة، فإن العرب عندما برزوا من شبه جزيرتهم والتأمت جموعهم بفضل الإسلام، إنما قصدوا توسيع ملكهم؛ لأنهم اكتفوا بالجزية وأقروا الأمم على أديانها، وإنما حاربوا الشرك وعبادة الأوثان كما حاربوهما في بلادهم الأصلية، وأما الأمم التي دانت لسيادة العرب فقد أثبتوا لها ديانتها ونظاماتها، واكتفوا منها بالخضوع السياسي، وهذا هو سر نجاحهم الغريب.
بهذه الأسباب المدنية الدنيوية انتشرت حضارة الإسلام في نصف قرن تقريبا، من سواحل البحر الأطلنطي إلى بلاد الصين، ومن جبال قفقاسيا وما وراءها إلى خط الاستواء وما وراءه.
بهذه الأسباب دخلت في حوزة الإسلام أمم كثيرة من السلالة السامية: «العرب، والسريان، والكلدان»، ومن السلالة الحامية: «المصريون، والنوبيون، والبربر، والسودان»، ومن السلالة الآرية: «الفرس، واليونان، والأسبان، والأهاند؛ أي الهنود»، ومن السلالة المسماة بالتورانية، وهم الترك والتتر.
بهذه الأسباب دخل في الإسلام كثير من أمم الصين وملايو، وانتشر في جزء كبير من جزيرة مدقسي كر، وجزائر الفيليبين، ووصل إلى روسيا وبولونيا، فضلا عن انتشاره في هذه الأيام بإنجلترة وأمريكا بين أهلها الأصليين، لا بواسطة النازحين إليها من المسلمين.
Page inconnue