Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Maison d'édition
مؤسسة قرطبة
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
1414 AH
Lieu d'édition
مصر
Genres
Soufisme
النَّاصِحِ بِاتِّبَاعِ مَحَبَّةِ اللَّهِ فِي أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ وَمُجَانَبَةِ مَا حَرَّمَ، وَالثَّانِي نَفْلٌ وَهِيَ إيثَارُ مَحَبَّتِهِ عَلَى مَحَبَّةِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَعْرِضَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ لِرَبِّهِ فَيَبْدَأُ بِمَا كَانَ لِرَبِّهِ وَيُؤَخِّرُ مَا كَانَ لِنَفْسِهِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ تَفْسِيرِ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ الْفَرْضُ مِنْهُ وَالنَّافِلَةُ.
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ النَّصِيحَةِ مُجَانَبَةُ نَهْيِهِ وَإِقَامَةُ فَرْضِهِ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهِ مَا كَانَ مُطِيقًا لَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِقَامَةِ لِفَرْضِهِ لِآفَةٍ حَلَّتْ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَى أَدَاءِ مَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ مَتَى زَالَتْ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُ قَالَ تَعَالَى ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى﴾ [التوبة: ٩١]- إلَى قَوْلِهِ - ﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] فَسَمَّاهُمْ مُحْسِنِينَ لِنُصْحِهِمْ لِلَّهِ بِقُلُوبِهِمْ لَمَّا مُنِعُوا مِنْ الْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ وَقَدْ تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ كُلُّهَا عَنْ الْعَبْدِ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ وَلَا تُرْفَعُ عَنْهُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ.
فَلَوْ كَانَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ عَمَلُ شَيْءٍ مِنْ جَوَارِحِهِ مِنْ لِسَانٍ وَلَا غَيْرِهِ غَيْرَ أَنَّ عَقْلَهُ ثَابِتٌ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ النُّصْحُ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ، وَهُوَ أَنْ يَنْدَمَ عَلَى ذُنُوبِهِ وَأَنْ يَنْوِي إذَا صَحَّ أَنْ يَقُومَ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَجْتَنِبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ غَيْرَ نَاصِحٍ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ. وَكَذَلِكَ النُّصْحُ لِرَسُولِهِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَى النَّاسِ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَمِنْ النُّصْحِ الْوَاجِبِ أَنْ لَا يَرْضَى بِمَعْصِيَةِ الْعَاصِي وَيُحِبَّ طَاعَةَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْت: وَلَوْ كَانَ هُوَ الْعَاصِي يَجِبُ عَلَيْهِ كَرَاهِيَةُ الْمَعْصِيَةِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ (يَجِبُ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ الْكَأْسُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْجُلَّاسِ) إلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فَبِأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُشْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَيَرْحَمَ صَغِيرَهُمْ، وَيُوَقِّرَ كَبِيرَهُمْ، وَيَحْزَنَ لِحُزْنِهِمْ، وَيَفْرَحَ لِفَرَحِهِمْ، وَإِنْ ضَرَّهُ ذَلِكَ فِي دُنْيَاهُ كَرُخَصِ أَسْعَارِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَوَاتُ رِبْحِ مَا يَبِيعُ مِنْ تِجَارَةٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَضُرُّهُمْ عَامَّةً، وَيَجِبُ صَلَاحُهُمْ وَأُلْفَتُهُمْ وَدَوَامُ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ، وَنُصْرَتُهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ. وَدَفْعُ كُلِّ أَذًى وَمَكْرُوهٍ عَنْهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ تَتَضَمَّنُ قِيَامَ النَّاصِحِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ بِوُجُوهِ الْخَيْرِ إرَادَةً وَفِعْلًا.
1 / 46