192

Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Maison d'édition

مؤسسة قرطبة

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1414 AH

Lieu d'édition

مصر

Genres

Soufisme
قُلْت: لَا يُخْفَى مَا فِي هَذَا الشِّعْرِ مِنْ الْأَقْوَى وَهُوَ يُخَالِفُ الْقَافِيَةَ فِي الْإِعْرَابِ، فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مَرْفُوعٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْرُورٌ، وَقَدْ أَنْكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ نِسْبَةَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِآدَمَ ﵇، وَقَالَ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الشِّعْرِ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَنُسِبَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ ﵄. وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ، وَأَنَّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ فِي الْيَمَنِ وَلَمْ يُسَمِّ لِي قَائِلَهَا، وَهِيَ هَذِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ سِيرُوا إنَّ قَصْدَكُمُو ... أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا حُثُّوا الْمَطِيَّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا ... قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضُّوا مَا تُقَضُّونَا كُنَّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيَّرَنَا ... دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنَّا تَكُونُونَا وَنَسَبَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ إلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْأَكْبَرِ وَهُوَ صَاحِبُ الْأَبْيَاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصَّفَا ... أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ بِلًى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا فَأَزَالَنَا ... صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودُ الْعَوَاثِرُ وَكُنَّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ وَنَحْنُ وُلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ ... بِعِزٍّ فَمَا يُخْطِئُ لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ مَلَكْنَا فَعَزَزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا ... فَلَيْسَ لِحَيٍّ غَيْرُنَا ثَمَّ فَاخِرُ الْقَصِيدَةَ بِطُولِهَا. وَفِي الْأَوَائِلِ: أَوَّلُ مَنْ قَصَّدَ الْقَصَائِدَ وَذَكَرَ الْوَقَائِعَ امْرُؤُ الْقَيْسِ. وَلَمْ يَكُنْ لِأَوَائِل الْعَرَبِ إلَّا أَبْيَاتًا يَقُولُهَا الرَّجُلُ فِي حَاجَتِهِ وَتَعْزِيَتِهِ وَتَارِيخِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَوَّلُ قَرْنٍ قُصِّدَتْ فِيهِ الْقَصَائِدُ وَطُوِّلَ الشِّعْرُ عَلَى عَهْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَامْتَلَأَ الْكَوْنُ مِنْ الشُّعَرَاءِ وَالْفُصَحَاءِ حَتَّى صَارَ الشِّعْرُ كَالدِّينِ يَفْتَخِرُونَ بِهِ وَيَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ، فَعَارَضُوهُ بِالشِّعْرِ فَأَعْجَزَهُمْ بِفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ، وَقَطَعَ دَوَاعِيَ مُعَارِضِيهِ فَلَمْ يَأْتُوا بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ، فَأَعْرَضُوا عَنْ مُصَاقَعَةِ اللِّسَانِ وَتَصَدَّوْا إلَى مُقَارَعَةِ السِّنَانِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ.

1 / 199