153

Nourriture des Esprits dans l'Explication du Poème des Manières

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Maison d'édition

مؤسسة قرطبة

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

1414 AH

Lieu d'édition

مصر

Genres

Soufisme
(تَنْبِيهَاتٌ): (الْأَوَّلُ): جَزَمَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ بِحُرْمَةِ الْغِنَاءِ، وَقَالَ إنَّهُ مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ وَمَصَائِدِهِ الَّتِي كَادَ بِهَا مَنْ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ، وَصَادَ بِهَا قُلُوبَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُبْطِلِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الْمُكَاءُ وَالتَّصَدِّيَةُ. وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ اقْتَرَنَ بِآلَةِ لَهْوٍ مُحَرَّمَةٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ الْغِنَاءُ بِالْآلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَصُدُّ الْقُلُوبَ عَنْ الْقُرْآنِ، وَتَجْعَلُهَا عَاكِفَةً عَلَى الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ، فَهُوَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ، وَالْحِجَابُ الْكَثِيفُ عَنْ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ رُقْيَةُ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا. وَبِهِ يَنَالُ الْعَاشِقُ الْفَاسِقُ غَايَةَ الْمُنَى، فَلَوْ رَأَيْتهمْ عِنْدَ ذَيَّاكِ السَّمَاعِ وَقَدْ خَشَعَتْ مِنْهُمْ الْأَصْوَاتُ، وَهَدَأَتْ مِنْهُمْ الْحَرَكَاتُ، وَعَكَفَتْ قُلُوبُهُمْ بِكُلِّيَّتِهَا عَلَيْهِ، وَانْصَبَّتْ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً إلَيْهِ، لَرَأَيْت أَمْرًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ، وَيَتَعَدَّى الشَّرَائِعَ وَالْحُدُودَ. فَلِغَيْرِ اللَّهِ بَلْ لِلشَّيْطَانِ قُلُوبٌ هُنَاكَ تُمَزَّقُ، وَأَثْوَابٌ تُشَقَّقُ، وَأَمْوَالٌ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْفَقُ، حَتَّى إذَا عَمِلَ السُّكْرُ فِيهِمْ عَمَلَهُ، وَبَلَغَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ أَمَلَهُ، وَاسْتَفَزَّهُمْ بِصَوْتِهِ وَحِيَلِهِ، وَأَجْلَبَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ، وَخَزَ فِي صُدُورِهِمْ وَخْزًا. وَأَزَّهُمْ إلَى ضَرْبِ الْأَرْضِ بِالْأَقْدَامِ أَزًّا. فَطَوْرًا يَجْعَلُهُمْ كَالْحَمِيرِ حَوْلَ الْمَدَارِ، وَتَارَةً كَالذُّبَابِ يَرْقُصُ وَسَطَ الدَّارِ. فَيَا شَمَاتَةَ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ بِاَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ خَوَاصُّ الْأَنَامِ، قَضَوْا حَيَاتَهُمْ لَذَّةً وَطَرَبًا، وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا. مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ اسْتِمَاعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ. فَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمْ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمَا حَرَّكَ لَهُ سَاكِنًا، وَلَا أَزْعَجَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَلَا أَثَارَ فِيهِمْ وَجْدًا، وَلَا قَدَحَ فِيهِمْ مِنْ لَوَاعِجِ الشَّوْقِ إلَى اللَّهِ زَنْدًا، حَتَّى إذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ، وَوَلَجَ مَزْمُورُهُ أَسْمَاعَهُمْ، فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْوَجْدِ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَجَرَتْ، وَعَلَى أَقْدَامِهِمْ فَرَقَصَتْ، وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَصَفَّقَتْ، وَعَلَى بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِمْ فَاهْتَزَّتْ وَطَرِبَتْ، وَعَلَى أَنْفَاسِهِمْ فَتَصَاعَدَتْ، وَعَلَى زَفَرَاتِهِمْ فَتَزَايَدَتْ. فَيَا أَيُّهَا الْفَاتِنُ الْمَفْتُونُ، الْبَائِعُ حَظَّهُ مِنْ اللَّهِ بِصَفْقَةِ خَاسِرٍ مَغْبُونٍ، هَلَّا كَانَ هَذَا الِامْتِحَانُ، عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَهَذِهِ الْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ، عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَلَكِنْ كُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إلَى مَا يُنَاسِبُهُ، وَيَمِيلُ إلَى مَا يُشَاكِلُهُ وَيُقَارِبُهُ، وَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ قَدْرًا وَشَرْعًا، وَالشَّكْلُ سَبَبُ الْمَيْلِ عَقْلًا وَطَبْعًا.

1 / 160