والقصد إلى الصلاة في مسجد النبي ﷺ، والتبرك برؤية روضته ومنبره، وقبره ومجلسه، وملامس يديه ومواطىء قدميه، والعمود الذي كان يستند إليه، ونزل جبريل بالوحي عليه فيه، وبمن عمره وقصده من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، والاعتبار بذلك كله.
قلت وذلك أن لفظ زيارة قبره ليس المراد بها نظير المراد بزيارة قبر غيره، يوصل إليه ويجلس عنده، ويتمكن الزائر مما يفعله الزائرون للقبور عندها من سنة وبدعة، وأما هو ﷺ فلا سبيل لأحد أن يصل إلا إلى مسجده لا يدخل أحد بيته، ولا يصل إلى قبره، بل دفنوه في بيته، بخلاف غيره فإنهم دفنوه في الصحراء، كما في الصحيحين عن عائشة أن النبي ﷺ قال في مرض موته: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما فعلوا. قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدًا. فدفن في بيته لئلاّ يُتّخذ قبره مسجدًا ولا وثنًا ولا عيدًا. فإن في سنن أبي داود من حديث أحمد بن صالح، عن عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
وفي "الموطأ" وغيره عنه أنه قال: " اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعْبَد، اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
وفي صحيح مسلم عنه أنه قال قبل أن يموت بخمس: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك". فلما لعن من يتخذ القبور مساجد تحذيرًا لأمته من ذلك ونهاهم عن ذلك ونهاهم أن يتخذوا قبره عيدًا دفن في حجرته لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها فلم يكني في حياتها أحد يدخل لذلك، إنما يدخلون إليها هي، ولما توفيت لم يبق بها أحد، ثم لما أدخلت في المسجد سُدّت وبنى الجدار البراني عليها، فما بقي أحد يتمكن من زيارة قبره كالزيارة المعروفة عند قبر غيره، سواء كانت سنية أو بدعية، بل إنما يصل الناس إلى مسجده.