المجلد الأول مقدمة ... غاية الأماني في الرد على النبهاني تأليف: أبو المعالي محمود شكري الألوسي تحقيق: أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين (مقدمة المحقق) إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنَا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضْلِلْ فلا هَادِيَ له. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠- ٧١] . أما بعد؛ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْي هديُ محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشَرَّ الأمور مُحْدَثَاتُهَا، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار. "فإن الله تعالى أَيَّدَ دِينَهُ بالآيات البينات، والبراهين الساطعات، التي لو تجرَّد كل إنسان من داعية الهوى، وسَلِمَتْ آلاته وأنعم النظر فيها؛ لساقته إلى الإيمان سوقًا، ولدفعته إليه دفعًا.

1 / 5

لكن لما كان في نفوس بعض المخاطبين قصور في الفهم، أو تَلَكُّؤٌ في الاستجابة، أو مكابرة وعناد، أو العيش في بيئة يسودها الكدر والضلال، والبعد عن هدي السنة والكتاب؛ احتاج هؤلاء إلى أسلوب آخر في الاستدلال، يتضمن مجادلة ومناظرة بين الحق من جهة، والباطل من الجهة الأخرى، تثارُ أثناءها كَوَامِنُ الحق في فِطَرِ بني آدم، فيزول عن القلوب رَيْنُها، وعن الأبصار غَشَاوتُها، وعن العقول أقفالها، حتى يعودَ الحق واضحًا جَلِيًّا لكل ذي بصر وبصيرة، فلا يبقى أمامه إلا إعلان الإيمان، وإشهار الإذعان، أو الرضا بالخنوع للباطل، والهروب من الحق. ولقد شهدت البريّةُ- ولا تزال- أنماطًا من الجدل والمناظرة، والأخذ والرد، والكتابة والمناقشة، في شتى الموضوعات؛ ولكن: ليست هناك حجة كَحُجَجِ الله تعالى التي بعثَ بها رسله، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] . فالجدل والمناظرة، والرد على الخصوم والمخالفين؛ ضربٌ من ضروب بيان الحق وتأييده، وقمع الباطل وتزهيقه، وقد استخدمه الله تعالى في القرآن الكريم كثيرًا، وبأساليب شتى، وفي حالات متنوعة؛ من تنبيه لغافل، أو إرشاد لمُسترشد، أو إفحام لمعاند. فالقرآن واجه الخصوم والمخالفين وتصدّى لهم، وناظرهم فيما يعتقدونه، وقطعهم بالحجة البالغة، والسلطان القاهر، فما استطاعوا له ردًّا، ولا عنه حِوَلًا. والرسول ﷺ واجه أصنافًا من الناس؛ منهم المسترشد يطلب الحق، والجاهل يبتغي العلم، والجاحد يسلك سبيل المدافعة والمنازعة، ومنهم المعاند الذي لا يلوي على شيء غيرَ الوقوف أمام كل جديد بالصدّ والإنكار، والتزام ما كان عليه الآباء والأجداد. ومن هؤلاء وهؤلاء من ينتسب إلى كتاب مُنَزَّلٍ أصابه التحريف والتبديل، ومنهم من يعبد الوثن ...

1 / 6

وهناك بعض حديثي العهد بالإسلام قد بقيت معه بعض الشبه والشكوك، التي تقلّدها عن الجاهلية، فهي تحتاج إلى تجلية وكشف حتى يرسخ الإيمان في قلبه، وتصحح الفكرة في عقله. كل هؤلاء وغيرهم واجههم رسول الله ﷺ، فأقام الحق وبيّنه، ودفع الباطل وأذهبه، ودفع الشبه والشكوك، وأقام الله تعالى به الدين؛ فصلوات الله وسلامه عليه تسليمًا مزيدًا. وكان لأصحاب رسول الله ﷺ النصيب الأعظم في إقامة الحجة، وإصابة الحق، فهم أعلى الناس به علمًا وعملًا، ونظرًا ومناظرةً، وجدلًا ومجادلة، وذلك ببركة متابعتهم لنبيهم ﷺ وتأسّيهم به. ثم تعرّض الإسلام إلى حملة شرسة من أعدائه؛ من أرباب الديانات المنحرفة، وأساطين الفلسفات القديمة؛ حيث ذهبوا يشكّكون في مسلّماته، ويتعرضون له بإثارة الشبهات، وبحث الوثنية من جديد، قاصدين لدولة الإسلام التي انداحت فشملت أصقاعهم، ونسفت ملكهم، وصدّعت صروحهم. فانبرى لهم أهل الدين والإيمان، من علماء الأمة وحرّاس العقيدة؛ يدفعون صولة الصائلين، وعداية المعتدين، فأقيمت المناظرات، وكتبت الردود، حتى ظهرت الحجة، واتّضحت المحجة. فحماية الدين من العاديات وكفُّ العدوان والمعتدين؛ من أعظم وأخطر مهمات أهل العلم والإيمان وأشرفها. فلا أقوى من سلطان الحجة، ولا أسطع من نور الدليل والبرهان، وهذا من أعظم ما يمتاز به دين الله الحق؛ إذ هو حجة وبيّنة، ودليل وآية، وبرهان ونور، وهدى وشفاء لما في الصدور. ولأهل الإسلام مع أهل الكفر والبدع والأهواء مواقف عَلِيَّة، ومشاهد

1 / 7

سَنِيَّة"١ من كتب وردود، وكشف لأباطيلهم وألاعيبهم، ودحض لأكاذيبهم. وقد كتب العلماء الربانيون قديمًا وحديثًا في الرد على أهل البدع والأهواء، حماية للشريعة الغراء، وصيانة للسنة النبوية من أهل الافتراء. ومن هؤلاء العلماء الذين كتبوا في الرد على أهل البدع؛ الإمام العلامة أبي المعالي محمود شكري الألوسي البغدادي الحسيني، كتب كتابًا في الرد على أحد هؤلاء الذين أوقفوا أنفسهم في وجه السنة وأهلها؛ وهو المدعو يوسف بن إسماعيل بن حسن النبهاني، المولود سنة (١٢٦٦ هـ) والمتوفي سنة (٣٥٠ هـ) - أحد العاملين في المحاكم المدنية التي يحكم فيها أهلها بغير ما أنزل الله!! في وقته آنذاك-. وقد ردَّ المصنف- ﵀ على كتاب النبهاني "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" ردًّا علميًا منهجيًا وافيًا، تعرض فيه للمسائل والكلام الذي افتراه النبهاني على دين الله وسنة رسول الله، وعلى العلماء الربانيين من هذه الأمة. وجلَّ المسائل المتكلم فيها في هذا الرد: مسائل التوسل والاستغاثة بغير الله ﷿، وما يتعلّق بهما. ومسألة شدّ الرحال لزيارة القبور والاستنجاد بأهلها ودعائهم من دون الله تعالى. وقد أطنب المصنف في هذا الكتاب في الدفاع عن العالم الرباني، الإمام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني طيّب الله ثراه، وذلك بنقل كلام أهل العلم من شتى المذاهب في ثنائهم على شيخ الإسلام، وتبرئتهم له مما ينسبه إليه المفترون الظالمون. عدا مسائل عقدية وفقهية هامة، تجدها في ثنايا هذا الرد. _________ ١ من مقدمة الدكتور عثمان بن علي حسن لكتابه"منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد" بتصرف.

1 / 8

والكتاب طبع قديمًا طبعة رديئة، ثم طبعت في مصر على نفقة عبد العزيز ومحمد العبد الله الجميع، ثم صوّرت طبعات عدة عن هذه الطبعة، فأحببتُ القيام بتجديد نشر الكتاب في طبعة أنيقة حديثة، مخرّجة الآيات والأحاديث، عليها بعض التعليقات الطفيفة فيما تقتضيه الحاجة دون توسع في ذلك، مصحّحًا فيها الأخطاء التي وقعت في الطبعة القديمة. واعلم أيها القاريء الكريم أن عملي في هذا الكتاب عن أصل مطبوع، وقد بذلت الجهد الذي بمستطاعي في إصلاح الأخطاء والتصحيفات، فإن وجدتَ زللًا أو خطأً أو تقصيرًا؛ فادعُ الله لنا أن يتجاوزَ عنا، وأن يرحمنا. هذا وإني أشكر الأخ الفاضل الأستاذ فهد الحمدان- وفقه الله تعالى- على قيامه بنشر هذا الكتاب، وغيره من الكتب النافعة، أجزل الله له المثوبة، ووفقه لكل خير. اللهم إني أسألك السداد فيما أقول وأكتب، اللهم تجاوز عن سيئاتنا وارحم ضعفنا، وسدّد خطانا للحق، اللهم لا تفتنا بعد إذ هديتنا، وثبتنا على دينك. اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرًا. اللهم صل على محمد وعلى آله وسلّم تسليمًا مزيدًا. وكتب: أبو عبد الله السَّلفي الداني بن منير آل زهوي كان الله له الجية، منطقة جبل لبنان الموافق للخامس عشر من شهر جمادى الأولى لعام اثنتين وعشرين وأربعمائة وألف

1 / 9