374

Garden of the Devout

روضة العابدين

Maison d'édition

مكتبة الجيل الجديد

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م

Lieu d'édition

صنعاء - اليمن

Genres

ينزعج. أما يرى الشيخ دبيب الموت في أعضائه، قد أخرج سكين القوى، وأنزل الضعف، وقلب السواد بياضًا، ثم في كل يوم يزيد الناقص، ففي نظر العاقل إلى نفسه ما يشغله عن النظر إلى خراب الدنيا وفراق الإخوان، إن كان ذلك مزعجًا، ولكن شغل من احترق بيته بنقل متاعه يلهيه عن ذكر بيوت الجيران. إنه لمما يسلي عن الدنيا ويهون فراقها استبدال المعارف بمن تكره، فقد رأينا أغنياء كانوا يؤثرون، وفقراء كانوا يصبرون، ومحاسبين لأنفسهم يتورعون، فاستبدل السفهاء عن العقلاء، والبخلاء عن الكرماء، فيا سهولة الرحيل، لعل النفس تلقى من فقدت، فتلحق بمن أحبت" (^١).
وقال ابن المعتز:
نَسِيرُ إلَى الْآجَالِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ … وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ رَوَاحِلُ
وَلَمْ نَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ … إذَا مَا تَخَطَّتْهُ الْأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا … فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ فِي الرَّأْسِ نَازِلُ
تَرَحَّلْ عَنْ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنْ التُّقَى … فَعُمْرُك أَيَّامٌ -تُعَدُّ- قَلَائِلُ" (^٢).
بوابة العطايا:
إن الموت وإن كان مُرًّا على النفوس بالنظر إلى الطبيعة، لكنه للمؤمن بوابة نيل العطايا الجزيلة، والتخلص من تعب الدنيا وشقائها. فعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ مُرَّ عليه بجنازة فقال: (مستريح ومستراح منه) قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: (العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) (^٣).

(^١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٣١٧).
(^٢) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ١٥١).
(^٣) رواه البخاري، (٥/ ٢٣٨٨)، ومسلم (٢/ ٦٥٦).

1 / 378