359

Garden of the Devout

روضة العابدين

Maison d'édition

مكتبة الجيل الجديد

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م

Lieu d'édition

صنعاء - اليمن

Genres

كونوا من أبناء الآخرة
بعد أن تأفُل شمس الحياة، ويُطوى كتابُ الدنيا، ويمضي زمان الأحلام بإسدال وشاح الغروب، ويُلمح أوانُ الحقيقة بابتسام الشروق، وتنتهي الزيارة إلى دنيا التكليف والعمل؛ تُقبِل أيامُ الآخرة، ويُدعى الخلق للوقوف بين يدي الخالق ﷾؛ لحساب المكلفين على أعمالهم التي عملوها في حياتهم الدنيا. ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٨].
لقد خلق الله تعالى لعباده دار تكليف، ودار جزاء، ولما كان التكليف موقوتًا جعل له دارًا باقية إلى أجل ثم تزول، فكانت تلك الدار هي الدنيا، وحينما كان الجزاء باقيًا فقد خلق لأهله دارًا باقية هي دار الآخرة. قال تعالى: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ [غافر: ٣٩].
فقوله: " ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ﴾ أي: قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب وتضمحل ﴿وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ أي: الدار التي لا زوال لها ولا انتقال منها، ولا ظعن عنها إلى غيرها، بل إما نعيم وإما جحيم" (^١).
قدر الدنيا:
إن هذه الدنيا بجميع متاعها وأعراضها وزينتها لا تساوي شيئًا بجانب ما في الآخرة؛ ولهذا زهّد الله عباده عن الحياة العاجلة، ورغّبهم في الحياة الآجلة، وأخبرهم أنها خير من الدنيا وأبقى منها، قال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: ١٦، ١٧]، أي: تفضّلونها على الآخرة فتعملون لها، وتنسون الآخرة، فلا

(^١) تفسير ابن كثير (٤/ ٩٨).

1 / 363