أَكثر من الْجُزْء وَإِن كَانَ لَا يتَنَبَّه لتحديد مَا يعرف من ذَلِك وَمن ذَلِك علمه بِأَن لَا يجْتَمع المتضادان فَإنَّك إِذا وقفته قسرًا بَكَى وَنزع إِلَى الْقعُود علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون قَائِما قَاعِدا مَعًا
وَمن ذَلِك علمه بِأَن لَا يكون جسم وَاحِد فِي مكانين فَإِنَّهُ إِذا أَرَادَ الذّهاب إِلَى مَكَان مَا فأمسكته قسرًا بَكَى وَقَالَ كلَاما مَعْنَاهُ دَعْنِي أذهب علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون فِي الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يذهب إِلَيْهِ مَا دَامَ فِي مَكَان وَاحِد
وَمن ذَلِك علمه بِأَنَّهُ لَا يكون الجسمان فِي مَكَان وَاحِد فَإنَّك ترَاهُ يُنَازع على الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يقْعد فِيهِ علما مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَسعهُ ذَلِك الْمَكَان مَعَ مَا فِيهِ فَيدْفَع من فِي ذَلِك الْمَكَان الَّذِي يُرِيد أَن يقْعد فِيهِ إِذا يعلم أَنه مَا دَامَ فِي الْمَكَان مَا يشْغلهُ فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ وَهُوَ فِيهِ
وَإِذا قلت لَهُ ناولني مَا فِي هَذَا الْحَائِط وَكَانَ لَا يُدْرِكهُ قَالَ لست أدْركهُ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن الطَّوِيل زَائِد على مِقْدَار مَا هُوَ أقصر مِنْهُ وتراه يمشي إِلَى الشَّيْء الَّذِي يُرِيد ليصل إِلَيْهِ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن ذَا النِّهَايَة يحصر وَيقطع بالعدو وَإِن لم يحسن الْعبارَة بتحديد مَا يدْرِي من ذَلِك
وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يعلم الْغَيْب أحد وَذَلِكَ أَنَّك إِذا سَأَلته عَن شيءٍ لَا يعرفهُ أنكر ذَلِك وَقَالَ لَا أَدْرِي
وَمِنْهَا فرقة بَين الْحق وَالْبَاطِل فَإِنَّهُ إِذا أخبر بِخَير تَجدهُ فِي بعض الْأَوْقَات لَا يصدقهُ حَتَّى إِذا تظاهر عِنْده بمخبر آخر وَآخر صدقه وَسكن إِلَى ذَلِك
وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يكون شيءٌ إِلَّا فِي زمَان فَإنَّك إِذا ذكرت لَهُ أمرا مَا قَالَ مَتى كَانَ وَإِذا قلت لَهُ لم تفعل كَذَا وَكَذَا قَالَ مَا كنت أَفعلهُ وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء مِمَّا فِي الْعَالم إِلَّا فِي زمَان
وَيعرف أَن للأشياء طبائع وماهية تقف عِنْدهَا وَلَا تجاوزها فتراه إِذا رأى شَيْئا لَا يعرفهُ قَالَ أَي شَيْء هَذَا فَإِذا شرح لَهُ سكت وَمِنْهَا علمه بِأَنَّهُ لَا يكون فعل إِلَّا لفاعل فَإِنَّهُ إِذا رأى شَيْئا قَالَ من عمل هَذَا وَلَا يقنع الْبَتَّةَ بِأَنَّهُ الْعَمَل دون عَامل وَإِذا رأى بيد آخر شَيْئا قَالَ من أَعْطَاك هَذَا وَمِنْهَا مَعْرفَته بِأَن فِي الْخَبَر صدقا وكذبًا فتراه يكذب بعض مَا يخبر بِهِ وَيصدق بعضه ويتوقف فِي بعضه هَذَا كُله مشَاهد من جَمِيع النَّاس فِي مبدأ نشأتهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ أَوَائِل الْعقل الَّتِي لَا يخْتَلف فِيهَا ذُو عقل وَهَا هُنَا أَيْضا أَشْيَاء غير مَا ذكرنَا إِذا فتشت وجدت وميزها كل ذِي عقل من نَفسه وَمن غَيره وَلَيْسَ يدْرِي أحد كَيفَ وَقع الْعلم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يشك ذُو تَمْيِيز صَحِيح فِي أَن هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا صَحِيحَة لَا امتراء فِيهَا وَإِنَّمَا يشك فِيهَا بعد صِحَة علمه بهَا من دخلت عقله آفَة وَفَسَد تَمْيِيزه أَو مَال إِلَى بعض الآراء الْفَاسِدَة فَكَانَ ذَلِك أَيْضا آفَة دخلت على تَمْيِيزه
كالآفة الدَّاخِلَة على من بِهِ هيجان الصَّفْرَاء فيجد الْعَسَل مرا
وَمن فِي
1 / 12