بالتقريب فِي حُدُود الْكَلَام وتقصيناه هُنَالك غَايَة التَّقَصِّي وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين إِلَّا أننا نذْكر هَاهُنَا جملَة كَافِيَة فِيهِ لتَكون مُقَدّمَة لما يَأْتِي بعده مِمَّا اخْتلف النَّاس فِيهِ يرجع إِلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
إِن الْإِنْسَان يخرج إِلَى هَذَا الْعَالم وَنَفسه قد ذهب ذكرهَا جملَة فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا كَانَت قبل ذَلِك ذاكرة أَولا ذكر لَهَا الْبَتَّةَ فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا حدثت حِينَئِذٍ أَو أَنَّهَا مزاج عرض إِلَّا أَنه قد حصل أَنه لَا ذكر للطفل حِين وِلَادَته وَلَا تَمْيِيز إِلَّا مَا لسَائِر الْحَيَوَان من الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية فَقَط فتراه يقبض رجلَيْهِ ويمدها ويغلب أعضاءه حسب طاقته ويألم إِذا أحس الْبرد أَو الْحر أَو الْجُوع وَإِذا ضرب أَو قرص وَله سوى ذَلِك مِمَّا يُشَارِكهُ فِيهِ الْحَيَوَان والنوامي مِمَّا لَيْسَ حَيَوَانا من طلب الْغذَاء لبَقَاء جِسْمه على مَا هُوَ عَلَيْهِ ولنمائه فَيَأْخُذ الثدي ويميزه بطبعه من سَائِر الْأَعْضَاء بفمه دون سَائِر أَعْضَائِهِ كَمَا تَأْخُذ عروق الشّجر والنبات رطوبات الأَرْض وَالْمَاء لبَقَاء أجسامها على مَا هِيَ عَلَيْهِ ولنمائها
فَإِذا قويت النَّفس على قَول من يَقُول أَنَّهَا مزاج أَو أَنَّهَا حدثت حِينَئِذٍ أَو أخذت يعاودها ذكرهَا وتمييزها فِي قَول من يَقُول أَنَّهَا كَانَت ذاكرة قبل ذَلِك وَأَنَّهَا كالمفيق من مرض فَأول مَا يحدث لَهَا من التَّمْيِيز الَّذِي ينْفَرد بِهِ النَّاطِق من الْحَيَوَان فهم مَا أدْركْت بحواسها الْخمس كعلمها أَن الرَّائِحَة الطّيبَة مَقْبُولَة من طبعها والرائحة الرَّديئَة منافرة لطبعها وكعلمها أَن الْأَحْمَر مُخَالف للأخضر والأصفر والأبيض وَالْأسود
وكالفرق بَين الخشن والأملس والمكتنز والمتهيل واللزج والحار والبارد والدفيء وكالفرق بَين الحلو والحامض والمر والمالح والعفص والزاعق والتفه والعذب والحريف وكالفرق بَين الصَّوْت الحاد والغليظ وَالرَّقِيق والمطرب والمفزع
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ إدراكات الْحَواس لمحسوساتها والإدراك السَّادِس علمهَا بالبديهيات
فَمن ذَلِك علمهَا بِأَن الْجُزْء أقل من الْكل فَإِن الصَّبِي الصَّغِير فِي أول تَمْيِيزه إِذا أَعْطيته تمرتين بَكَى وَإِذا زِدْته ثَالِثَة سر وَهَذَا علم مِنْهُ بِأَن الْكل
1 / 11