وقد روى السيوطي في) بغية الوعاة) أن الكسائي (١) قد مات وهو لا يعرف حد نعم وبئس، وأن المفتوحة، والحكاية! وأن الخليل (٢) لم يكن يحسن النداء. وأن سيبويه (٣) لم يكن يدري حد التعجب! وأن رجلًا قال لابن خالويه (٤): أريد أن تعلمني من النحو والعربية ما أقيم به لساني. فقال ابن خالويه: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو، ما تعلمت ما أقيم به لساني!
فأي فائدة من النحو، إذا كانت قراءته خمسين سنة لا تعلم صاحبها كيف يقيم لسانه؟ وما الذي يبقى للنحو إذا لم يؤد إلى هذه الغاية، وإذا أصبح أصعب فنون العربية وهو لم يوضع إلا لتسهيلها وتقريبها؟
ومن -ليت شعري- يسلك الجادة ليخلص من الوعر ويدنو من الغاية، إذا رأى من هو أقوى منه وأجلد قد سلكها فانتهت حياته ولم ينته منها، وأتته منيته وهو في بعضها يقلب حصباءها، وينبش تربها، وينظر في جوانبها؟
_________
(١) علي بن حمزة، إمام الكوفيين في النحو واللغة، وأحد القراء السبعة، استنفد علم معاذ الهراء، وقرأ على الخليل، وخرج إلى البادية، فأفرغ في الكتابة عن العرب حبر خمس عشرة قنينة، قال ابن الأعرابي: كان الكسائي أعلم الناس، ضابطًا عالمًا بالعربية، قارئًا صدوقًا، توفي سنة ١٨٢.
(٢) الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب العربية والعروض، قال السيرافي: كان الغاية في استخراج مسائل النحو، وتصحيح القياس فيه، وهو أول من استخرج العروض، ورتب المعاجم، وهو أستاذ سيبويه. وعامة الحكاية في كتابه عنه، وهو على الجملة آية من آيات الله في الذكاء والفهم والعلم، على زهادة وشرف نفس، وانقطاع إلى الله، توفي سنة ١٧٥.
(٣) عمرو بن عثمان، إمام البصريين، أصله من أرض فارس ونشأ في البصرة، أخذ عن الخليل ويونس والأخفش وألف الكتاب في النحو، الذي يسمى شيخ الكتب، ارتحل إلى أرض فارس بعد مناظرته المشهورة مع الكسائي، ومات بها غمًا سنة ١٨٠ وعمره ٣٢ سنة.
(٤) هو الحسين بن أحمد بن خالويه النحوي الإمام، قرأ القرآن على ابن مجاهد والنحو والأدب على ابن دريد ونفطويه، وابن الأنباري. سكن حلب واختص بسيف الدولة، وهناك انتشر علمه وروايته، وله مع المتنبي مناظرات، كان أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب وله تصانيف جليلة، توفي بحلب سنة ٣٧٠.
1 / 14