قال الإمام أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه من الزيغ فيهلك. وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} . [الحشر: 7] . وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} . [النساء: 59] . وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} . [النساء: 65] . وقال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك # مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} . [النساء: 69] . وقال تعالى: {إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} . [الجن: 23] . فعلم أن شهادة أن لا إله إلا الله، لا تتم، بمعنى أنه لا تتم الألوهية أي العبودية إلا برسول مرسل إلينا، يعلمنا طريق العبادة وأنواعها، فتأمل، إلا بشهادة أن محمدا رسول الله، ولهذا صارا في الإسلام ركنا واحدا بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ركن، وإقامة الصلاة، ركن، وإيتاء الزكاة، ركن، وصوم رمضان، ركن، الحج، ركن، فالأصل: شهادة أن لا إله إلا الله، وتتمتها شهادة أن محمدا رسول الله، فلا إله إلا الله حصن كما في الحديث القدسي "لا إله إلا الله حصني أمن من عقابي" 1. الحديث، وباب الحصن الذي يدخل منه شهادة أن محمدا رسول الله، فلا إله إلا الله هي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهي الحصن الحصين. وكل حصن له باب وقفل فالباب: الشهادة بالرسالة، والقفل العمل بما جاء به صلى الله عليه وسلم، ولا يتم الضبط والاحتكام إلا بهذه الثلاثة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله مفتاح الجنة" 2، وكل مفتاح له أسنان، فمن أتى بها يفتح له، ومن لم # يأت بها لم يفتح. والأسنان الأعمال الصالحة، والعمل الصالح ما كان على شريعة الرسول اللهم صل وسلم عليه.
والحاصل، أن الدين لا يتم إلا بهذين الأصلين: الإخلاص والمتابعة، ولا يقبل عمل إلا ما كان مؤسسا عليهما، كما قال عياض: ما يقبل الله عملا إلا أخلصه وأصوبه، قيل: ما أخلصه وأصوبه يا أبا علي؟ قال: العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، والخالص ما كان لابتغاء وجه الله، والصواب ما كان على شريعة محمد بن عبد الله، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] . فجعل الله محبته منوطا على اتباعه صلى الله عليه وسلم.
Page 41