236

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Maison d'édition

دار الكتب العلمية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تُعْجِبُ النَّاظِرَ أَجْسَامُهُمْ، لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْبَهَاءِ، وَالرُّوَاءِ، وَالزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَيْسُوا مِمَّنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةٍ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَنْظُرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، وَهُنَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِهِ وَعَمَلِهِ لَا بِصُورَتِهِ، وَقَدْ يَنْظُرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصُّورَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُصَوِّرِ، فَهَذَا حَسَنٌ، وَقَدْ يَنْظُرُ مِنْ جِهَةِ اسْتِحْسَانِ خَلْقِهِ، كَمَا يَنْظُرُ إلَى الْجَبَلِ وَالْبَهَائِمِ، وَكَمَا يَنْظُرُ إلَى الْأَشْجَارِ، فَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اسْتِحْسَانِ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ، وَالْمَالِ، فَهُوَ مَذْمُومٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [طه: ١٣١]، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ الدِّينَ، وَإِنَّمَا فِيهِ رَاحَةُ النَّفْسِ فَقَطْ كَالنَّظَرِ إلَى الْأَزْهَارِ، فَهَذَا مِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَقِّ، وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَتَى كَانَ مَعَهُ شَهْوَةٌ كَانَ حَرَامًا بِلَا رَيْبٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ شَهْوَةَ تَمَتُّعٍ بِنَظَرِ الشَّهْوَةِ، أَوْ كَانَ نَظَرًا بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ نَظَرِهِ الْأَشْجَارَ وَالْأَزْهَارَ، وَمَا يَجِدُهُ عِنْدَ نَظَرِهِ النِّسْوَانَ وَالْمُرْدَ، فَلِهَذَا الْفُرْقَانِ افْتَرَقَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ.
فَصَارَ النَّظَرُ إلَى الْمُرْدِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: مَا يَقْرُنُ بِهِ الشَّهْوَةَ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَالثَّانِي: مَا يَجْزِمُ أَنَّهُ لَا شَهْوَةَ مَعَهُ، كَنَظَرِ الرَّجُلِ الْوَرِعِ إلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ، وَابْنَتِهِ الْحَسَنَةِ، وَأُمِّهِ، فَهَذَا لَا يَقْرُنُ بِهِ شَهْوَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْ أَفْجَرِ النَّاسِ، وَمَتَى اُقْتُرِنَتْ بِهِ الشَّهْوَةُ حَرُمَ.

1 / 286