Fatawa Kubra
الفتاوى الكبرى
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ، كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ أَشَدُّ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَعَلَى صَاحِبِهَا الْحَدُّ.
تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا تَنَاوَلَهَا غَيْرُ مُسْتَحِلٍّ لَهَا كَانَ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ كَمَا تَشْتَهِي الْخَمْرَ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ لَا يَشْتَهِي كَمَا يَشْتَهِي النَّظَرَ إلَى النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةٍ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لِشَهْوَةٍ. وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ يُسَبَّحُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَخْلُوقَاتِهِ كُلِّهَا، وَلَيْسَ خَلْقُ الْأَمْرَدِ بِأَعْجَبَ فِي قُدْرَتِهِ مِنْ خَلْقِ ذِي اللِّحْيَةِ، وَلَا خَلْقُ النِّسَاءِ بِأَعْجَبَ فِي قَدْرِ مَنْ خَلَقَ الرِّجَالَ، بَلْ تَخْصِيصُ الْإِنْسَانِ التَّسْبِيحَ بِحَالِ نَظَرِهِ إلَى الْأَمْرَدِ دُونَ غَيْرِهِ؛ كَتَخْصِيصِهِ التَّسْبِيحَ بِنَظَرِهِ إلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ دَلَّ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ عِنْدَهُ، وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُغَيِّرُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ، وَقَدْ يُذْهِلُهُ مَا رَآهُ فَيَكُونُ تَسْبِيحُهُ بِمَا يَحْصُلُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْهَوَى، كَمَا أَنَّ النِّسْوَةَ لَمَّا رَأَيْنَ يُوسُفَ ﴿أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١] .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى الصُّوَرِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ، فَكَيْفَ يَفْضُلُ الشَّخْصُ بِمَا لَمْ يُفَضِّلْهُ اللَّهُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [طه: ١٣١] .
وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: ٤] .
1 / 285