وَأَمَّا الاسْتِدْلاَلُ بالآلات فلم يَرِدْ عن السلف الصالح، ﵃، فلا يلزم الرجوع إليها، ولا يجوز أن تجعل حاكمة على الأدلة الشرعية وحسب من يستدلُّ بها أنْ يستخرجَ بها الجهةَ خاصةً، لأنه قد عُلم بالاستقراء صحةُ استخراج الجهة بها، وأما السمتُ فلم يرد الشرعُ بمراعاته فلا يُلتفت إليه، لأن السمتَ عند أهل الآلات هو أن يُقَدَّرَ أنْ لوْ وُضع خط مستقيمٌ من مكان الإنسان لوقع مقابلًا للكعبةِ والقائلون بطلب السمت من الفقهاء لا يضيقون هذا التضييق، وإنما يكفي عندهم المسامتة بالأبصار كما تسامت النجوم، وإن كانا يقربان من جهةِ المعنى، ولكن فيما قال أهلُ الآلة من التضييق ما ليس في كلام الفقهاء، وقد ذكرت ذا المعنى بأطولَ من هذا في غير هذا الموضع. هذا ما يتعلق بالمسألة من الفقه.
وأما تتبع ألفاظ هذا المعترض فقوله: فيا ليت شعري أي المحاريب يقلد وأنت تشاهد من اختلافها الخ. . هذا كلام هائل ليس تحته طائل، فإنه قد تقرَّرَ حسبما تقدم أن محاريب قطرنا الأندلسي منصوبة كلها إلى جهة الربع الجنوبي الشرقي لا تتعداه، لكن سموتها مختلفة، وقد تقدم أن هذا بناء على القول المشهور من اعتبار
الجهة. وقد نص القاضي أبو الحسن ابن القصَّار على أن المحرابَ الذي يعلم أن إمام المسلمين نصبَه أو اجتمع أهل البلد على نصبه أنَّ العالِمَ والعَامِّيَّ يُقلدانه، ولا أعلم أحدًا خالفَ ابنَ القصار في هذا، وهو القائل بطلب السمت، فكيف غيره ممن هو يطلب الجهة؟ وقال ابن البنا: إنَّ المساجدَ التي بُنيت إلى الجهة على سموتٍ
1 / 95