كان أبي علي بن الحسين (عليه السلام) (1) قد أتخذ منزله من بعد قتل أبيه الحسين بن علي (عليه السلام) بيتا من الشعر، وأقام بالبادية، فلبث بها عدة سنين كراهية الناس وملابستهم (2)، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائرا لأبيه وجده (عليهما السلام) ولا يشعر بذلك من فعله. قال محمد بن علي: فخرج (عليه السلام) متوجها إلى العراق لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنا معه وليس معنا ذو روح إلا الناقتين، فلما انتهى إلى النجف من بلاد الكوفة وصار إلى مكان منه فبكى حتى أخضلت لحيته من (3) دموعه، ثم قال:
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته (على عباده) (4)، أشهد أنك جاهدت يا أمير المؤمنين في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دعاك الله إلى جواره، فقبضك إليه باختياره، لك كريم ثوابه، وألزم أعداءك الحجة مع مالك من الحجج البالغة على جميع خلقه (5)، اللهم صل على محمد، وآله، وأجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة عند نزول بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة (لسوابغ آلائك) (6)، مشتاقة إلى فرحة لقائك، متزودة التقوى ليوم جزائك، مستنة بسنن أوليائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك.
Page 73