فإن قلائصًا طوحن شهرًا ... ضلالًا ما رحلن إلى ضلال
قال: كان زبان بن سيار أنعم على حنظلة بن الطفيل بن مالك، ثم رحل زبان إليه يستثيبه. والمطالي جمع مطلاء وهي أرض سهلة.
يقول: إن إبلًا طوحت شهرًا ضلالا، يعني أنها بعد سيرها ووصولها ثم تحظ بشيء مما أرادته، فسيرها كان ضلالًا. يقول: إن قلائص سارت شهرًا في ضلال ما رحلت ضلالًا إلى الذي سارت إليه، لأنه كافأه وأثابه فلم تكن قلائصه رحلت ضلالًا، مثل قلائص رجل آخر سار شهرًا إلى موضعٍ أراده لم ينل منه شيئًا.
قال س: هذا موضع المثل:
حطبتها من يابسٍ ورطب
إلى خباها يتناهى حطبي
نفض ابن السيرافي ها هنا كنانته، فأتى بهذيان كثير لا تصح منه سنة، وكنت قد ذكرت لك أن من تصدى لتفسير هذا الشعر، من غير إتقانٍ لعلم النسب، وأيام العرب، ومعرفة المنازل والمناهل؛ كثرت سقطاته.
أي فائدة في قوله: كان زبان بن سيار أنعم على حنظلة بن الطفيل بن مالك، ثم رحل إليه زبان يستثيبه - إذا لم يذكر أنه أثابه أو لم يثبه، فترك الكلام مبتورًا لجهله بهذه القصة.
ولو عرف المنازل والمناهل؛ لعلم أن قوله: المطلاء: الأرض السهلة فاحش، والصواب المطلى بفتح الميم والقصر، وهو وادٍ في بلاد بني كلاب لبني أبي بكر، وإياه عنى القائل حيث يقول - أنشدناه أبو الندى -:
غنى الحمام على أفنان غيطلةً ... من سدر بيشة ملتفٍّ أعاليها
غنين لا عربياتٍ بألسنةٍ ... عجمٍ، وأملح إيحاءٍ تواحيها
فقلت والعيس خوصٌ في أزمتها ... يلوي بأثواب أصحابي تباريها:
أرعى الأراك قلوصي ثم أوردها ... ماء الحريرة والمطلى فأسقيها
يا نخلتي بطن مطلوبٍ ألفتكما ... فالنفس لا تنتهي عنكم أمانيها
وإليكما قذرٌ بالناس لا رحمٌ ... تدنيه منا ولا نعمى يجازيها
محفوفتين بظل الموت أشرفتا ... في رأس رابيةٍ صعبٍ مراقيها
من يعطه الله في الدنيا ظلالكما ... يكتب له درجاتٌ عاليًا فيها
تندى ظلالكما والشمس طالعةٌ ... حتى يواريها في الغور حاديها
كلتاهما قضب الريحان نبتتها ... فاعتم بالباسق الريان ضاحيها
ومطلوب: ماء لبني أبي بكر، وجمع زبان المطلى بما حوله فجعله المطالي وربما ثنوا المطالي فقالوا مطليان.
وقال أعرابي:
وردت جريرًا يوم أذرعه الهوى ... وبصرى وقادتك الرياح الجنائب
سقى الله نجدًا من ربيعٍ وصيفٍ ... وخص بها أشرافها والجوانب
إلى أجلى فالمطليين فراهصٍ ... هناك الهوى لو أن شيئًا يقارب
ولم يعرف ابن السيرافي جنفاء أيضًا أنها في بلاد بني فزارة وأن زبان قال: إنما رحلت إليك من جنفاء، أي من بلاد قومي. وفي جنفاء يقول الراجز - وقصره ضرورة، وهو بيت مثل -:
إذا بلغت جنفا فنامي
واستكثري ثم من الأحلام
وقوله بالمطالي أراد بلاد حنظلة بن الطفيل بن مالك، فإنه لو عرف قصة الشعر كما هيه؛ لم يقل في معنى قوله " ضلالًا ما رحلن إلى ضلال " أنه مديح، وهذه بلاهة تامة.
وقصة هذا الشعر أن زبان بن سيار أسر حنظلة بن الطفيل بن مالك، فأنعم عليه، ثم أتاه يستثيبه فلم يرض ثوابه، ويقال إنه حبسه وبعث أخاه بفدائه. فقال:
تسائل عني الحسناء لما ... أتى من دون وافدها الشهور
علام تقول يحبسني وعندي ... مواشكةٌ وأنساعٌ وكور
فما زال ابتغاء الشكر حتى ... قعدت رهينةً وأخي نذير
أسيرًا في بلاد بني طفيلٍ ... وكيف ينام في القد الأسير
وقال زبان أيضًا:
ألا من مبلغٌ عني طفيلًا ... وحنظلة الذي أبزى سؤالي
بأن قلائصًا طرحن شهرًا ... ضلالًا ما رحلن إلى ضلال
رحلناهن من جنفاء حتى ... أنخن فناء بيتك بالمطالي
فإن الضان قد ربحت لديكم ... وإني لن أسد بها خلالي
فإنك إن سألت أباك عني ... وأمك يوم أمعز ذي طلال
فإنهم على السبي استغاثوا ... ببلدة شنأٍ صهب السبال
1 / 35