القدر الذي عرفه ابن السيرافي في هذا الرجز وذكره لا يجدي نفعًا على المستفيد، بل يزيده جهلًا وعمى، ثم إنه أخطأ في القدر الذي ذكره من جهات شتى: منها أنه نسب هذا الرجز إلى أبي الخثارم البجلي، وإنما هو ابن الخثارم، وهو عمرو بن الخثارم البجلي.
ومنها أنه ذكر أن المنافرة كانت بين بجيلة وكلب، وإنما كانت بين رجلين لا قبيلتين، هما: جرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن أرطاة بن خشين بن شبث الكلبي.
ومنها قوله: قالت بجيلة نحن إخوة نزار، ولم يبين الأخوة من أي جهة هي.
ومنها أنه قال: يروى هذا الرجز مجرورًا، وإنما هما أرجوزتان، فخلط المرعي بالهمل وإحدى الأرجوزتين مرفوعة، والأخرى مجرورة. وسيأتيك بيان ذلك إن شاء الله.
أملى علينا أبو الندى قال: كان سبب المنافرة بين جرير بن عبد الله البجلي، وبين خالد بن أرطاة بن خشين بن شبث الكلبي - أن كلبًا أصابت في الجاهلية رجلًا من بجيلة، يقال له: مالك بن عتبة من بني عادية بن عامر بن قداد، فوافوا به عكاظ، فمر العادي بابن عم له يقال القاسم بن عقيل بن أبي عمرو بن كعب بن عريج بن الحويرث بن عبد الله بن مالك بن هلال بن عادية بن عامر بن قداد - يأكل تمرًا، فتناول من ذلك التمر شيئًا ليتحرم به، فجذبه الكلبي، فقال له القاسم: إنه رجل من عشيرتي، فقال له: لو كانت له عشيرة منعته. .
فانطلق القاسم إلى بني عمه بني زيد بن الغوث فاستتبعهم، فقالوا: نحن منقطعون في العرب، وليست لنا جماعة نقوى بها. فانطلق إلى أحمس فاستتبعهم فقالوا: كلما طارت وبرة من بني زيد في أيدي العرب أردنا أن نتبعها. فانطلق عند ذلك إلى جرير بن عبد الله فكلمه، فكان القاسم يقول: إن أول يوم أريت فيه الثياب المصبغة والقباب الحمر، اليوم الذي جئت فيه جريرًا في قسر، وكان سيد بني مالك بن سعد بن زيد بن قسر، وهم بنو أبيه.
فدعاهم في انتزاع العادي من كلب فتبعوه، فخرج يمشي بهم حتى هجم على منازل كلب بعكاظ، فانتزع منهم مالك بن عتبة العادي، وقامت كلب دونه، فقال جرير: زعمتم أن قومه لا يمنعونه فقال كلب: إن جماعتنا خلوف. فقال جرير: لو كانوا لم يدفعوا عنكم شيئًا. فقالوا: كأنك تستطيل على قضاعة. . إن شئت قايسناكم المجد - وزعيم قضاعة يومئذ: خالد بن أرطاة بن خشين بن شبث - قال: ميعادنا من قابل سوق عكاظ.
فجمعت كلبٌ وجمعت قسر، ووافوا عكاظ من قابل. وصاحب أمر كلب الذي أقبل بهم في المقبل خالد بن أرطأة. فحكموا الأقرع بن حابس بن عقال ابن محمد بن سفيان بن مجاشع، حكمه جميع الحيين، ووضعوا الرهون على يدي عتبة بن ربيعة بن عبد شمس في أشرافٍ من قريش، وكان في الرهن من قسر: الأصرم بن عوف بن عويف بن مالك بن ذبيان بن ثعلبة بن عمرو بن يشكر بن علي ابن مالك بن سعد بن نذير بن قسر. ومن أحمس حازم بن أبي حازم، وصخر ابن العلبة. ومن بني زيد بن الغوث بن أنمار رجل.
ثم قام خالد بن أرطاة فقال لجرير: ما نجعل؟ قال: الخطر في يدك. قال: ألف ناقة حمراء في ألف ناقة حمراء. فقال جرير: ألف قينة عذراء في ألف قينة عذراء، وإن شئت فألف أوقية صفراء لألف أوقية صفراء.
قال: من لي بالوفاء؟ قال: كفيلك اللات والعزى وإساف ونائلة وشمس ويعوق وذو الخلصة ونسر. فمن عليك بالوفاء؟ قال: ود ومناة وفلس ورضا. قال جرير: لك بالوفاء سبعون غلامًا معمًا مخولًا يوضعون على أيدي الأكفاء من أهل الله. فوضعوا الرهن من بجيلة ومن كلب على أيدي من سمينا من قريش، وحكموا الأقرع بن حابس وكان عالم العرب في زمانه.
فقال الأقرع: ما عندك يا خالد؟ فقال: نحن ننزل البراح، ونطعن بالرماح، ونحن فتيان الصباح.
فقال الأقرع: ما عندك يا جرير؟ قال: نحن أهل الذهب الأصفر، والأحمر المعصفر، نخيف ولا نخاف، ونطعم ولا نستطعم، ونحن حيٌ لقاح، نطعم ما هبت الرياح، نطعم الشهر ونضمن الدهر، ونحن الملوك لقسر.
فقال الأقرع: واللات والعزى، لو فاخرت قيصر ملك الروم، وكسرى عظيم فارس، والنعمان ملك العرب، لنفرتك عليهم. وأقبل نعيم بن حجبة النمري - وقد كانت قسر وفدته بفرس إلى جرير، فركبه من قبل وحشيه، فقيل: لم يحسن أن يركب الفرس. فقال جرير: الخيل ميامن، وإنا لا تركبها إلا من وجوهها.
وقد كان نادى عمرو بن الخثارم أحد بني جشم بن عامر بن قداد فقال:
لا يغلب اليوم فتى والاكما
1 / 23