مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها
قال ابن السيرافي: النعب: صوت الغراب، والناعب هو الغراب، وقال الأخوص ذلك في حرب كانت بين بطون بني يربوع قتل فيها أبو بدر الغداني. في كلام يشبه هذا لا طائل فيه.
قال س: هذا موضع المثل:
يا ليت حظي منك ذات البرقع
أن لا تضريني وألا تنفعي
لو سكت ابن السيرافي عن تفسير هذا الشعر الذي لم يعرف قضيته ولا نظام أبياته لكان أجدى على مستفيده، وذلك أنه قال: إن هذا الشعر قيل في حرب كانت بين بطون بني يربوع.
وإنما كان القتال بين بني يربوع وبني دارم، فأراد الشاعر بقوله مشائيم بني دارم بن مالك لا بني يربوع. وكان من قصة هذا الشعر، أن ناسًا من بني يربوع وبني دارم، اجتمعوا على القرعاء، فقتل بينهم رجل من بني غدانة يكنى أبا بدر، فقالت بنو يربوع: والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا، فقالت بنو دارم: إنا لا نعرف قاتله، فأقيموا قسامة نعطكم حقكم، فقالت بنو غدانة: نحن نفعل. فأخرجوا خمسين، فحلفوا كلهم إلا رجلًا أن الذي قتل أبا بدر عبيد بن زرعة، فقال الباقي من الخمسين: أليس تدفعون إلينا عبيدًا إذا أنا كملت الخمسين؟ قالوا: لا ولكنا نديه لأنا لا ندري من قتله. فقال الباقي عند ذلك - وهو أبو بيض الغداني -: والله لا أكملهم أبدًا ولا يفارقنا عبيد حتى نقتله.
فقام ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وشيبان بن حنظلة بن بشر بن عمرو فكفلا بعبيد، فدفعته بنو غدانة إليهما، فلما جنهم الليلي قال ضرار وشيبان لعبيد: انطلق حيث شئت.
وغدت بنو غدانة على بني دارم فقالوا لهم: إن صاحبكم هرب، ولكن هذه الدية فاقبلوها من إخوتكم، ولا تطلبوا غير ذلك فتكونوا كجادع أنفه، ولو علمنا مكان صاحبكم قصدنا إليه. فلما سمعهم الأخوص يذكرون الدية قال: دعوني أتكلم، قالوا: تكلم يا أبا خولة. فقال الأخوص:
ليس بيربوعٍ إلى العقل فاقةٌ ... ولا دنسٌ تسود منه ثيابها
فكيف بنوكي مالكٍ إن غفرتم ... لهم هذه أم كيف بعد سبابها
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا بشؤمٍ غرابها
فإن أنتم لم تقتلوا بأخيكم ... فكونوا بغايا بالأكف عيابها
ستخبر ما أحدثتم في أخيكم ... رفاقٌ من الآفاق شتى مآبها
وهي أبيات ذكرت منها ما لا غنى عنه في معنى بيت الكتاب.
قال ابن السيرافي قال الجعدي
وكيف تواصل من أصبحت ... خلالته كأبي مرحب
قال: أبو مرحب من بني عمه، وأظنه من بني قشير، يريد أن أبا مرحب قطعه وجفاه في سببٍ كان احتاج إليه فيه.
قال س: هذا موضع المثل:
تنحلت نعت الخيل لا أنت قدتها ... ولا قادها جداك في سالف الدهر
لو اقتصر ابن السيرافي على ذكر الإعراب واللغة، ولم يعرض لذكر الرجال والأنساب، لما استهدف للسان الطاعنين، لكن الشقي بكل كف يصفع.
أبو مرحب هنا، الذي يقول لك إذا لقيك: أهلًا ومرحبًا، وليس غير ذلك. وبيت الجعدي في المعنى مثل بيت الكميت:
يراني في اللمام له صديقًا ... وشادنة العسابر رعبليب
ومثل قول الآخر:
رجلٌ صديقٌ ما بدت لك عينه ... فإذا تغيب فاحترس من دعلج
ومثل قول الآخر:
صديق حضارة وصديق عينٍ ... وليس لمن تغيب بالصديق
وقال ابن السيرافي قال أبو الأسود الدؤلي ﵁
إذا جئت بوابًا له قال مرحبا ... ألا مرحبٌ واديك غير مضيق
يخاطب البواب: ألا واديك يا بواب مرحبٌ غير مضيق.
قال س: هذا موضع المثل:
وكيف يرحل من ليست له إبل
كثيرًا ما يزل في مثل هذا الاسم من لم يمارس علم النسب، وهو قوله: أبو الأسود الدؤلي، وكذا كان يقوله من تقدم من النحويين، وليس من علمهم.
أخبرنا أبو الندى قال: هو أبو الأسود الديلي. قال: واسمه ظالم بن عمرو ابن سفيان بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.
1 / 2