مراد الشاعر بهذا البيت ليس بأبي الذي ذكره ابن السيرافي، وكيف يكون ذلك، وأبي هو أبي بن معاوية بن صبح، من بني مسلية بن عامر بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، وليس هو من مراد، فكيف يقول: من خليلك من مراد؟ وإنما المراد بهذا البيت: قيس بن هبيرة بن عبد يغوث المرادي، وهو ابن أخت عمرو بن معد يكرب، وهبيرة هو المكشوح، فأما أبي - وهو من بني مسلية - فهو الذي يقول فيه عمرو في كلمة له أخرى:
تمناني ليلقاني أبيٌ ... نعامة قفرة بغت المبيضا
وفيه يقول أيضًا:
وابن صبح سادرًا يوعدني
وسبب هذا الشعر أن قيس بن المكشوح قال يخاطب عمرًا في كلمة له طويلة:
ألا أبلغ أبا ثورٍ رسولًا ... فما بيني وبينك من وداد
تمنى أن تلاقيك المنايا ... أبا ثورٍ فهل لك في الجلاد
فإن كنت الغداة تريد قرنًا ... فأدن إذن سوادك من سوادي
بخيلٍ تلتقي منا ومنكم ... وإلا فالأحاد إلى الأحاد
فأجابه عمرو في كلمة له طويلة:
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
ومن يشرب بماء الجوف يعذر ... على ما كان من حمق الفؤاد
قال ابن السيرافي قال شقيق بن جزء بن رياح الباهلي
وعاد عليه أن الخيل كانت ... طرائق بين منقيةٍ ورار
كأن عذيرهم بجنوب سلى ... نعامٌ فاق في بلدٍ قفار
قال: سلى موضع بعينه. وكانت بنو ضبة غزت باهلة، وعليهم حكيم بن قبيصة بن ضرار الضبي، فهزمتهم باهلة، وجرحوا حكيمًا، وقتلوا عبيدة الضبي.
قال س: هذا موضع المثل:
آب الكرام بالسبايا غنيمةً ... وآب بنو نهد بأيرين في سفط
جاء ابن السيرافي بغلطين فاحشين في تفسير هذا الشعر، لأنه ذكر أن بني ضبة أغارت على بني باهلة، فهزمتهم باهلة. وهذا بجهله بسلى أنها في بلاد باهلة أو ببلاد ضبة، وجاء بالأبيات أيضًا متفرقة لا متوالية، وفيها أيضًا تقديم وتأخير.
والصواب ما أملاه علينا أبو الندى ﵀ قال: أغار شقيق بن جزء الباهلي على بني ضبة بسلى وساجر، وهما روضتان لعكل، وإياهما عنى سويد ابن كراع بقوله:
أشت فؤادي من هواه بساجرٍ ... وآخر كوفي هوىً متباعد
وضبة وعكل وعدي وتيم حلفاء متج ... اورن، وفيهم يقول لقيط بن زرارة:
ألا من رأى العبدين إذ ذكرا له ... عدي وتيمٌ تبتغي من تحالف
فحالف فلا والله تهبط تلعةً ... من الأرض إلا أنت للذل عارف
وضبة عبدٌ ثالث لا أخا له ... كما زيف النمي بالكف صارف
رجع إلى الحديث - فهزمهم، وأفلت عوف بن ضرار في ذلك اليوم، وحكيم بن قبيصة بن ضرار بعد أن جرح، وقتلوا عبيدة بن قضيب الضبي.
وقال شقيق بن جزء في إفلات عوف بن ضرار:
أفلتنا لدى الأسلات عوفٌ ... لدى الورهاء تطعن في اللجام
وكان هو الشفاء فأحرزته ... صنيع المتن رابية الحزام
كأن حمامة ورقاء يرمى ... بها الرجوان من ورق الحمام
أهان لها الطعام فلم تضعه ... غداة الروع إذ أزمت أزام
وقال شقيق في يوم سلى:
لقد قرت لهم عيني بسلى ... وروضة ساجرٍ ذات العرار
جزيت الملحبين بما أزلت ... من البوسى رماح بني ضرار
نكسر في متونهم العوالي ... وتمضي السمهرية في انئطار
وأفلت من أسنتنا حكيمٌ ... جريضًا مثل إفلات الحمار
وعاد إليه أن الخيل كانت ... طرائق بين منقيةٍ ورار
كأن عذيرهم بجنوب سلى ... نعامٌ فاق في بلد قفار
ولما أن رأيت أبا حديرٍ ... صريع القوم حق به حذاري
ولم أك نافسًا شيئًا عليه ... ولم يك نافعي إلا اتياري
تركت الطير عاكفةً عليهم ... كما عكف النساء على دوار
ولولا الليل عاد لهم بنحسٍ ... بأشأم طائرٍ راقٍ وجار
1 / 14