وهذا باب صعب، وكنت قد قلت: إن من لم يتقن علم النسب ومنازل العرب، وخاض في تفسير مثل هذا الشعر زلت قدمه.
والصواب ما أنشدناه أبو الندى ﵀:
شفينا الغليل من سمير وجعونٍ ... وأفلتنا رب الصلاصل عامر
بضم الصاد من الصلاصل، وذكر أنه ماء لعامر هذا، في واد يقال له الجوف، به نخيل كثيرة ومزارع جمة.
ولا يكادون يقولون: فلان رب كذا، إلا أن يكون عظيمًا من عظمائهم، وسيدًا من ساداتهم، كما قالوا: رب مروان، ورب معد، ورب خصاف، وكما قالوا: رب الخورنق والسدير وأشباه ذلك.
قال س: وذكر أن رهطًا من عبد القيس وفدوا على عمر بن الخطاب ﵁، فتحاكموا إليه في هذا الماء، أعني الصلاصل، فأنشده بعض القوم قول تليد العبشمي هذا، فقضى بالماء لولد عامر هذا. وهي أبيات شريفة أنشدناها أبو الندى ﵀.
والقصة ما ذكره ابن السيرافي، إلا أنه لم يذكر أسماءهم وألقابهم، وأنا ذاكر ذلك بعد إيراد الأبيات. وهي:
أتتنا بنو قيس بجمعٍ عرمرم ... وشنٌ وأبناء العمور الأكابر
فباتوا مناخ الضيف حتى إذا زقا ... مع الصبح في الروض المنير العصافر
نشأنا إليهم وانتضينا سلاحنا ... يمانٍ ومأثورٌ من الهند باتر
ونبلٌ من الوادي بأيدي رماتنا ... وجردٌ كأشطان الجرور عواتر
شفينا الغليل من سمير وجعونٍ ... وأفلتنا رب الصلاصل عامر
وأيقن أن الخيل إن يعلقوا به ... يكن لفسيل الجوف بعده آبر
ينادي بصحراء الفروق وقد بدت ... ذرا ضبعٍ: أن افتح الباب جابر
والأبناء هم العقد: عوف وعوافة ومالك وجشم بنو سعد، تحالفوا والعمور من عبد القيس: الديل وعجل ومحارب بنو عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس.
قال ابن السيرافي قال أبو سدرة الأسدي
تحسب هواسٌ وأيقن أنني ... بها مفتدٍ من واحد لا أغامره
فقلت له: فاها لفيك فإنها ... قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره
قال: في الكتاب: أبو سدرة الأسدي، وزعم بعضهم أنه هجيمي من بني الهجيم.
قال س: هذا موضع المثل:
رزقت بالنوك فالزم ما رزقت به ... ما يصنع الأحمق المرزوق بالكيس
لو رزق ابن السيرافي على قدر إصابته لأكل القد جوعًا، وكل من لا يعرف أن أبا سدرة هجيمي أو أسدي فإنه لا يتعرض للكلام على مثل هذا الشعر.
وأبو سدرة، وهو سحيم بن الأعرف، من بني الهجيم بن عمر بن تميم، وله مقطعات مليحة في كتاب بني الهجيم بن عمرو بن تميم. منها قوله:
إلى حسان من أكناف نجدٍ ... رحلنا العيس تنفخ في براها
نعد قرابةً ونعد صهرًا ... ويسعد بالقرابة من رعاها
وأيًا ما فعلت فإن نفسي ... تعد صلاح نفسك من غناها
قال ابن السيرافي قال الراجز
أنعت عيرًا من حمير خنزره
في كل عيرٍ مائتان كمره
قال: خنزرة موضع فيما أرى، والرجز المنسوب إلى الأعور بن براء الكلابي، يهجو أم زاجر وهما من بني كلاب:
أنعت أعيارًا وردن أحمره
وكل عير مبطنٌ بعشره
في كل عير أربعون كمره
لاقين أم زاجر بالمزدره
قال س: هذا موضع المثل:
يا عطشًا والماء مني دان ... والرطب البرني في ثباني
لم يعرف ابن السيرافي من هذا الشعر ما ينقع به غله إلى الصادي، والشعر إذا لم يعرف تمامه وقصته، لم تكن له حلاوة في حنك المستفيد.
وكان من قصة هذا الرجز فيما أملاه علينا أبو الندى ﵀ أنه تهاجت امرأة ورجل من بني عبد الله بن كلاب، فأما الرجل بهو الأعور بن براء، وأما المرأة فهي أم زاجر، وهما عبدان. فقال الأعور بن براء:
أنعت أعيارًا وردن أحمره
وكل عير مبطن بعشره
في كل عيرٍ أربعون كمره
لاقين أم زاجر بالمزدره
فكمنها مقبلة ومدبره
حتى إذا ما لاح ضوء الزهره
جئن بغمرٍ مثل حز الكركره
وقالت أم زاجر:
يا بن التي تضر باللقاح
ثم تغشيها إلى الصباح
ثم تكام في حرٍ قياح
يكومها الأزعر أو فلاح
1 / 11