الباب الخامس
العناصر التي تنحل بها حياة الأمم
الفصل الأول
زوال المعتقدات
نبين باختصار كيف تنتهي العناصر، التي ثبتت، إلى الانحلال بعد أن درسنا العوامل التي تثبت بها الذاتيات الفردية والجماعية.
وفي المرتبة الأولى من عوامل الانحلال يأتي المعتقد الذي قامت عليه وحدة الأمم النفسية.
ولم تستحوذ المعتقدات على النفس في بعض الأحيان فتسيطر عليها سيطرة تامة؟ ولم تعاني السنة العامة التي تحكم على المادي وغير المادي بالذبول ثم بالزوال بعد زمن؟
تدل التجربة على أن المعتقدات تهن مع الزمن، ولكن يجب، لكي تخسر سلطانها على النفوس، أن يظهر إيمان جديد ليقوم مقامها.
ويظهر سير هذا التطور واحدا في كل حين، ويئول سلطان الإيمان البالغ القوة في البداءة إلى الضعف والأفول بالتدريج حتى الزمن الذي لا يبقى من المعتقد الأصلي فيه غير الطقوس والرموز، وعلى ما يبدو من دوام احترام المعتقد القديم يكون هذا المعتقد قد خسر النفوذ الموجه في الحقيقة، وهنالك يمكن أن ينبت معتقد جديد على أنقاض المعتقد الذي عاد لا يظهر منه غير الذكرى.
ومن الممتع بيان عجز العقل في تكوين المعتقدات وتطورها، وذلك لأنه يؤدي إلى تصحيح بعض الأوهام التاريخية، ولا يزال كثير من الكتاب يرون أن كتب الفيلسوفين: فولتير وروسو وغيرهما زلزلت الإيمان الديني في نفس المؤمنين حوالي دور الثورة الفرنسية، فمن المشكوك فيه حقا أن تحول جميع كتبهم مؤمنا واحدا إلى ملحد، وما كانت هذه المؤلفات لتؤثر في غير النفوس التي عاد إيمانها الظاهر لا يكون في غير مزاولة العبادة خارجا.
Page inconnue