La philosophie de l'histoire chez Vico
فلسفة التاريخ عند فيكو
Genres
أما عن أخلاق الأبطال في تربية أولادهم فلا نرى بنا حاجة لذكر الأمثلة التي تدل على ما وصلت إليه من القسوة والغلظة بحيث كان الآباء يضربون أبناءهم حتى الموت لمجرد ضعف طارئ أو إخلال بسيط في النظام العسكري. كل هذا ارتبط بنظام الحكم الذي كان بطبيعته أرستقراطيا يتألف من الحكام الأقوياء كما كان الوطن حكرا على آباء الأسر وهم الأبطال النبلاء.
ثم ينتقل فيكو بعد ذلك إلى عرض الأخلاق البشرية التي يمر عليها للأسف مرورا سريعا. فبعد قيام النظم المدنية أصبح النظام البطولي بكل عاداته وقوانينه ومؤسساته مستحيلا، وظهرت نظم الحكم الشعبية والملكية التي أكد فيكو أكثر من مرة أنها (خصوصا الملكية) أكثر إنسانية.
18
ففي ظل الملكيات يكون الأبطال هم أولئك الذين يضحون بأنفسهم في سبيل مجد الملوك وعظمتهم، كما يسمى البطل بطلا لأنه يهب حياته في سبيل العدالة وخير البشرية. ومع ذلك يحترس فيكو فلا يبالغ في فضائل الأخلاق الإنسانية وإنما يؤكد أن مثل هذا البطل الإنساني ينشأ من طبيعة الحياة المدنية التي تقوم (كما أكد في مسلمة رقم 80) على مبدأ المنفعة قبل كل شيء وخصوصا في ظل النظام الإقطاعي. وهكذا ينتهي فيكو إلى أن الأخلاق البشرية قائمة على مبدأ المنفعة المتبادلة، وربما يكون قد تأثر في هذا بنظرة هوبز المتشائمة. (1-4) الاقتصاد الشعري
إن المجتمعات البشرية الأولى تأسست بناء على نظام اقتصادي معين، ويبين فيكو بوضوح كيف تكونت الأسر الأولى في العصور المبكرة على أساس اقتصادي؛ فقد أدرك الأبطال بالأحاسيس البشرية حقيقتين هما: التربية الروحية والتربية الجسدية. أما عن التربية الروحية فقد بدأت بطريقة معينة تشكل الروح الإنسانية التي كانت مغمورة في أجسام العمالقة الضخمة، فكان الآباء البطوليون هم حكماء البشر في الحكمة الشعبية، وكانوا بدورهم كهنة لهم حق تقديم القرابين للآلهة لتلقي النبوءات، وهم حاملو القوانين الإلهية لأسرهم فكانوا ملوك المرحلة البطولية. وهنا يقرب فيكو بين عالم الطبيعة وعالم البشر، أي أن حيوانات العالم الأول تصبح بشرا في عالم الأمم؛ فهؤلاء العمالقة كانوا يحتاجون إلى قوة إلهية لتحويلهم من حالة التوحش إلى الحالة البشرية. والحقيقة الأخرى التي قام عليها نظام الأسرة هي كما ذكرنا التربية الجسدية؛ فقد بدأ الآباء تشكيل الجسد البشري من أجسام أبنائهم العمالقة غير المتجانسة. هؤلاء العمالقة الذين ضلوا في الأرض وطاردوا النساء واخترقوا الغابات هربا من الوحوش الضارية، بدءوا يتجمعون من خلال بحثهم عن الطعام والماء وبدءوا يستقرون مع نسائهم في البداية في كهوف ثم في أكواخ قريبة من منابع المياه. ومع استقرار الأبطال في أراض محددة بدأت الزراعة وبدأ الاقتصاد الأسري من الوراثة، أي أن يورث الآباء أبناءهم كل ما يملكون من مساكن وأراض حول منابع المياه ويورثوهم مزارعين لفلاحة الحقول.
19
وكان الأقوياء من البشر يؤسسون مدنهم فوق قمم الجبال حيث الجو الصحي والمواقع الطبيعية القوية. ثم أسسوا مدنا قريبة من منابع المياه الدائمة التي منها نشأت أول جماعات ذات تنظيم مشترك. ومن تجمع العائلات والأسر حول منابع المياه بدأ التزاوج بين هذه الأسر لأن الزواج الأول تم بين رجل وامرأة كانا يشتركان في نفس المياه والنار، ويستشهد فيكو على ذلك ببعض العادات والتقاليد المصاحبة لطقوس الزواج في معظم الشعوب التي كانت تستخدم فيها النار والمياه. وكان الزواج هو النوع الأول من الصداقة في العالم؛ فكلمة الصداقة في اليونانية
مشتقة من أصل كلمة حب
.
20
Page inconnue